السبت، 9 مارس 2013

2 ـ مايلقاه الإنسان العربي المسلم على يد ابناء جلدته ودينه أدهى وأمر مما يلقاه على يد غيرهم!





كتبهامحمد الزبيري ، في 7 أبريل 2006




رأينا بالأمس بعضا من المآسي التي وجدها الأسرى المغاربة أمامهم عندما اجبر عسكر الجزائر على إطلاق سراحهم تحت وطأت الضغط الدولي المتمثل في المنظمات الدولية, ومؤسسات المجتمع المدني في مختلف بقاع المعمور عندما اكتشف الجميع بشاعة الخروقات والانتهاكات التي طالت حقوقهم من منظور الأعراف والمواثيق الدولية.وذلك موضوع آخر قد نعود إليه مستقبلا.

فعندما يمتص هؤلاء الرجال الأشاوس الصدمة؛ ويتعالون على الجراح, وتنطلق ألسنتهم تسرد فظاعة ما عانوه وما لاقوه على أيدي إخوانهم الجزائريين, ترى وتسمع أشياء ما كنت لتتخيلها أو تصدقها لو أنها وردت على لسان شخص واحد فقط!
فقد كانوا يحتجزون صاحبنا ومن معه في سراديب سرية منفردة مظلمة, لا يصل إليها الضوء مطلقا؛ تحت بناية تابعة للأمن الجزائري شمال الجزائر. وذلك لعدة سنوات؛ لدرجة أن الأسرى لم يكونوا يعلمون اهو الليل أم النهار في كون الله! وهم في زنازين لا تتعدى المتر المربع الواحد؛ حيث تتآكل الأنفس قبل الأجساد التي تهترئ وتصبح طعاما سائغا للإسمنت والطفيليات,بفعل الجراح والرطوبة والوسخ..! فضلا عن ممارسة شتى أصناف الإذلال والتعذيب والسادية التي مورست عليهم من قبل سجانين يقول صاحبي: لو وزعت قسوتهم وحقدهم على الدنيا لما وسعتها ـ على حد تعبيره!
إن الرجل من هؤلاء الأسرى الأقدم في العالم, مهما تنازل عن كبريائه وتحدث لا يمكن أن يحكي كل شيء, إلا لشخص منفرد يشعر انه محل ثقة؛ ولن يفشي سره. انه كبرياء الرجال وعزة النفس النادرة التي يتسم بها الأبطال التي لا تسمح لهم بالحديث  عن أشياء مورست عليهم ـ كما حكى لي أحدهم ـ كالشدود الجنسي, بل واضطرارهم إلى أكل وشرب مخلفاتهم تارة بفعل الجوع والعطش وتارة تحت وطأة التعذيب والتنكيل!! هذا وغيره كثير.


فليس سجن أبو غريب سوى صورة مصغرة (لأبو تيندوف) الموجود جنوب الجزائر مند زمن بعيد, لكنه مدفون في الصحراء, حيث لا كاميرات ولا مسجلات؛ فقط الرمال الحارقة والأشغال الشاقة وسوط الجلاد؛  كما عبر صاحبنا ضاحكا!!
فبعد أن أمضى هذا الأسير ست عشرة سنة تحت الأرض في زنزانته شمال الجزائر, يحكي انه ذات يوم سمع خطوات عسكرية غير معتادة تقترب من زنزانته, ولسان حاله يردد مع الشاعر:
  عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى <> وصوت إنسان فكدت أطير
وماهي إلا لحظات حتى أخذوه معصوب العينين, وفي الطريف أخبروه أنهم ينقلونه إلى الطائرة التي ستوصله جوا إلى المغرب!
وفعلا اركبوه الطائرة رفقة زمرة من الأسرى الآخرين…ومرت الساعات عليهم كالسنين؛ وأخيرا توقفت محركات الطائرة, وانزل الأسرى؛ لكنهم بدل أن يجدوا أنفسهم في المغرب كما أوهموهم بذلك, فوجئوا بتواجدهم في تيندوف جنوب الجزائر؛ حيث سلمهم عسكر الجزائر لعصابات البوليزاريو ليمارسوا عليهم أصناف أخرى من التعذيب, وليبدأ فصل آخر من مأساة الموت البطيء!


هناك في مخيمات تيندوف وزعوهم إلى فئات: الشباب الذين يبدو أن أجسادهم قاومت ضروب التعذيب, هؤلاء اقتادوهم إلى حيث الأشغال الشاقة المستمرة من بناء وحفر نقل وحمل للأثقال.. والكهول والشيوخ الذين أجبروهم على القيام بأعمال من صنف السخرة و رعي الإبل والمعز.. أما الذين أنهكهم التعذيب والمرض وخانهم العمر فكان مأواهم سجون وسراديب جديدة حتى ماتوا ودفنوا في تلك الحفر نفسها دون ان يعلم بهم احد!

0 التعليقات:

إرسال تعليق