كتبهامحمد الزبيري ، في 4 يونيو 2006 الساعة: 19:40 م
نص نشرته لي جريدة العرب الاسبوعي اللندنية يوم
السبت 3/6/2006 تحت عنوان:
أمة
بلا ذاكرة
مرفقا بهذه الصور
لأحدى لوحاتي والمعنونة ب: حالة عربية
كثيرة هي الامتحانات الصعبة والأحقاب العسيرة
التي مرت بها الأمة العربية في مختلف مراحل تاريخها؛ سواء تلك الأزمات الخطيرة
التي تركت ندوبها واضحة على الجسم العربي مند ما قبل هولاكو المغولي، أو تلك
الوقائع الفاصلة التي كان لها ما بعدها’ مثل هجمات المد الاستعماري؛ وصولا إلى
هولاكو الأمريكي.
لكن المثير في الأمر هو هذا المرض المزمن وربما الوراتي الذي يعاني منه الجسد
العربي. انه مرض فقدان الذاكرة. وهو مرض اكتشفه فينا الأعداء وأحسنوا استغلاله
لأجل تحقيق مآربهم وبلوغ أهدافهم؛ خصوصا بعد انهيار نظام القطبين الذي كان سائدا
في العالم قبل تفكك الاتحاد السوفيتي السابق. ذاك النظام على سلبياته كان على
الأقل يستر العورة.
لقد قلنا في يوم من الأيام إن مقولة لينين الشهيرة:(إن الاستعمار أعلى مراحل
الرأسمالية) هي مقولة خاطئة’ لكن مع ما تعانيه الأمة العربية اليوم ويظهر جليا في
الشرق الأوسط والعراق على الخصوص؛ لا نملك إلا أن نؤكد صحة هذه المقولة بغض النظر
عن المذهب الذي تستند إليه…
إن التاريخ العربي ـ بمتنه ورجالاته الذين استفاد منهم الغرب أيما استفادة ـ
لا ينصب النقاش بيننا حوله إلا على الجوانب السلبية منه؛ وتنشط الذاكرة العربية
استثناء!
فابن خلدون مثلا الذي تمر اليوم 600 سنة على ذكراه، كثيرا ما اشتعلت معارك
قلمية بين كتابنا ومفكرينا حول تلك الجوانب السلبية لنظريته؛ كما هو الشأن مثلا
بالنسبة للجدل الذي شغل العرب من المحيط إلى الخليج لأحقاب عديدة حول موقفه من
العرب، والذي هو موقف فهمناه على غير حقيقته. وكأن هذه المقولة هي كل فكر ابن
خلدون وهي كل العبر وكل المبتدأ والخبر!
من المؤكد انه من علامات تخلف أمة أن تضل عقول مفكريها ومبدعيها تلوك الأفكار
السابقة، ويتسمر فكرها عند نقطة محدودة، دون القدرة على تجاوزها. وإذا كنا اليوم
كعرب في الدرك الأسفل من التخلف الذي رصد ابن خلدون نفسه أبرز علاماته ولخصها في
قاعدته الشهيرة:(المغلوب مولع بتقليد الغالب)، فانه يبدو لي أن هناك درجة تخلف
أدني مما سبق ذكره، وهي ليست فقط تقليد الغالب الذي هو الغرب، وإنما الأسوأ تقليده
في عاداته السيئة فقط! وهذا هو شأننا اليوم مع كامل الأسف!
في سنة 1985 صدر عن مركز دراسة الوحدة العربية ببيروت كتاب قيم تحت
عنوان:(آراء وأحاديث في التاريخ والاجتماع). ومما أثار انتباهي في هذا الكتاب حديث
للأستاذ ساطع الحصري أجاب فيه عن سؤال كان قد وجهه إليه احمد حسن الزيات صاحب مجلة
الرسالة سنة 1949 وهو:( هل الشقاق طبع في العرب؟)
وكان جواب ساطع الحصري كعادته حافلا بالمعلومات التاريخية والاجتماعية القيمة
المركزة؛ مبرزا للسائل أن العرب ليسو حالة شاذة في التاريخ. مستشهدا بعشرات
الأمثلة غطت مختلف مراحل التاريخ القديم والحديث من حياة الأمم.. ورغم أن الجواب
أتى في جملته مطمئنا ومتفائلا إلى حد ما، فان ما يعنيني منه هو هذه الفقرة:(إن الأمم
الحية الوثابة تتعظ بالنكبات، فتندفع إلى العمل وتواصل الكفاح بحرارة أشد وعزم
أمتن. كما أنها تغضب من الفشل وتستفيد من دروسه فتعيد الكرة لتضمن النجاح ولو بعد
حين.)
إن هذه النظرية الصائبة هي التي جعلت تلك الأمم تتغلب على نكباتها وتنهض من
كبوتها.. لكن يبقى السؤال مطروحا: لماذا لم تستفد الأمة العربية من ماضيها على
غرار الأمم التي استشهد بها أستاذنا ساطع الحصري مثل فرنسا وألمانيا؟
سؤال يدفعني إلى الاعتقاد أن الأستاذ ساطع الحصري الذي أعطى هذا الجواب مند ما
يزيد على 55 سنة، لو كان على قيد الحياة اليوم لأعاد النظر في جوابه!
كما هو الشأن بالنسبة لنبوءة المؤرخ الإنجليزي الشهير( توينبي) الذي كان قد
تنبأ أن وحدة العرب ستتحقق في حدود سنة 1974!!
وهنا نطرح سؤالا آخر ربما يطرح للمرة المليون في مختلف الأحقاب التاريخية، لكن
يبقى بدون جواب مقنع: أين نحن كعرب من عالم في نظري لم يعد يأتي بجديد، وإنما هو
كالتاريخ يعيد نفسه ولو بأنماط مختلفة؟ إن الجواب عن هذا السؤال لن يكون صحيحا إلا
إذا تخلص الإنسان العربي من مرض فقدان الذاكرة.
لقد كذب علينا الغرب عشرات الأكاذيب التاريخية، ومع ذلك لازلنا نصدق كل فرية
جديدة منه؛ رغم أن مداد الكذبة السابقة لم يجف بعد! لدرجة أن الغرب نفسه لا يصدق
أننا صدقناه مجددا!!
ولنا أن نتذكر فقط ولو بدأ من اليوم الذي طلب منا فيه هذا الغرب أن نعينه على
إسقاط الإمبراطورية العثمانية الجاثمة على صدورنا مقابل تمكيننا من إنشاء دولة
عربية؛ فماذا كانت النتيجة؟ طبعا قسموا تركة الرجل المريض وكنا جزءا من التركة!
وماذا حدث عندما طلبوا منا أن نعينهم على ألمانيا النازية مقابل الحصول على
استقلالنا، وناصرناهم فكان جزاؤنا مزيدا من التمزيق والتنكيل…ومرورا بوعود بوش
الأب بحل مشكلة الشرق الأوسط بعد الانتهاء من حرب الخليج الأولى، ووصولا إلى
وعود بوش الابن بإقامة دولة فلسطينية إبان حرب الخليج الثانية، بالإضافة إلى عشرات
الوعود التي قطعت للفلسطينيين مقابل تنازلات تاريخية ـ وبالمناسبة هاأنتم ترون
اليوم تراجعا غربيا عن كل ذلك ـ وأخيرا وصولا إلى الأكاذيب العديدة والوعود التي
أعطيت للعراقيين والتي اكتشف الكل زيفها…
ولعله من سخرية القدر أننا كثيرا ما قدمنا خدمات جليلة حتى لأعداء الغرب دون
قصد منا أو من الغرب، ولكن بفعل أكاذيب الغرب نفسه؛ مثل ما حدث عندما صدقناهم
وذهبنا لحرب باطلة ضد إيران؛ تلك الحرب التي خسرنا بسببها الكثير، وربحت إيران.
لأننا أيقظناها من غفوة الانتشا بانتصار الثورة الإسلامية، واترنا انتباهها إلى
الخطر المحدق بها؛ فانطلقت تبني قوتها العسكرية حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وهي
على وشك تحقيق توازن الرعب. في حين كان جزاء النظام العربي الذي حاربها وصدق
أكاذيب الغرب: قمته تواجه المشنقة وقاعدته يخيم عليها اليوم شبح حرب أهلية لا قدر
الله! وكأننا في حياتنا السياسية مع الغرب نتعامل معه بالمثل العربي القائل: كلام
الليل يمحوه النهار! فهل من معتبر!؟
لكن بالمقابل تجدنا نتمتع بذاكرة منقطعة النظير كلما تعلق الأمر بخلافات
داخلية من خصومات وعداوات عربية عربية. والأمثلة كثيرة اكتفي منها بالحالة
المغربية الجزائرية؛ فلا تسعف الإخوة الجزائريين ذاكرتهم إلا لتذكر أن المغرب قد
حاربهم في بداية الستينات ـ بغض النظر عن الأسباب ـ ولا تجود تلك الذاكرة بتذكر
الدعم المغربي لهم أتناء حرب التحرير ماديا ومعنويا وسياسيا؛ بل لا تستطيع ذاكرة
الأخوة الجزائريين الذهاب بعيدا وتذكر أن احتلال المغرب من قبل فرنسا كان تحت
ذريعة مساعدته المقاومة الجزائرية التي دعمها سلطان المغرب رغم ضعف الدولة آنذاك،
فكانت معركة إيسلي الشهيرة سنة 1844 على الحدود المغربية الجزائرية ضد الفرنسيين,
وكان احتلال المغرب…
لقد أنفقت الجزائر مليارات الدولارات مند الطفرة النفطية في السبعينات لتجد
لصنيعتها البوليزاريو موطئ قدم في أفريقيا ومنظمتها، وذلك بشراء الذمم والهمم
الرخيصة، ولتنشرها في سائر العالم؛ فسخرت مالها وسياستها لتبقي البوليزاريو شوكة
في خاصرة المغرب, فأعاقت نفسها وإياه عن تحقيق تنمية فاعلة؛ وهي اليوم مستمرة في
إذكاء فتيل العداوة والسباق نحو التسلح المستمر في المنطقة.
والغريب هو تلقين تلك العداوة من قبل من يحسبون على الفكر والثقافة حتى
للأجيال التي لم تكن قد ولدت بعد أتناء نشوب النزاع! فهل يعقل أن نسمع ونرى
أكاديميا جزائريا في برنامج على الهواء مباشرة من فضائية عربية تبث برامجها من
لندن وهو يقول:( قال المجاهد الأمير عبد القادر الجزائري{لو الدم يرجع حليب
المغربي ما يكون حبيب})!!
هنا يتبارون في شحذ الذاكرة ولو بالأكاذيب! والأبشع في الخصومات العربية أن
الأمر لا يقف عند حد بيني، بل يتجاوزه إلى الاستعانة بالغريب على أخيه
العربي! حتى هذا المثل العربي الذي طالما تباهى به الإنسان العربي قديما:(
أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وأخي وابن عمي على الغريب) حتى هذا المثل اختصرناه
فأصبح فقط:(أنا والغريب على أخي)! ورغم أننا سبق وأن اختبرناه في مواطن كثيرة،
وكانت نتائجه كارثية على الجميع؛ وظهرت أوضح صور تطبيقاته في الأندلس أيام ملوك
الطوائف، والكل يعرف المأساة! لكن الجزائر عادت إلى نهجه لتطويق المغرب، مستعينة
بدول أجنبية مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا وكوبا وفنزويلا وروسيا.. وهاهي ملامح تطبيق
نفس النهج قد بدأت تظهر لدى بعض الفئات في لبنان وسوريا فأصبحت واشنطن وجهة
الساعين إلى الإضرار بإخوانهم. فمتى نستعيد ذاكرتنا؟
بقلم: محمد الزبيري




0 التعليقات:
إرسال تعليق