سيدة الفن المتربعة على عرش
الزمان!
كتبهامحمد الزبيري ، في 26 مارس 2006
سيدة
الفن المتربعةعلى عرش الزمان
لعل عظمة الأعمال الفنية الخالدة تكمن في
عبقرية الفنانالتي تمنهج عاطفته الصادقة وتستثمر رؤيته الثاقبة, لتصب ذلك كله في
بوثقة الإبداعالمنعكس في العمل الفني الناجح الذي يدين للطبيعة بالقليل ولعاطفة
وخيال الفنانبالكثير. لقد كان ليوناردو دافنشي نموذجا فريدا ونجما نادرا في سماء
الفن, هذاالرجل الفذ الذي ولد سنة 1452 وعاش متالقا في عصر النهضة الى سنة 1519
ولا زال نورهيلمع الى يومنا هذا. إذ لم يترك مجالا من مجالات العلم والفن والإبداع
الاواحتل فيهمكان الصدارة, غير أن لموناليزا أو الجوكاندا تبقى ذروة أعماله ويتيمة
عقد الفن عبرالتاريخ, تلك الحسناء التي قيل إن الفنان قد هام بها حبا لم تكن إلا
ليزا جيرا لدينزوجة التاجر الفلورانسي فرانسيسكو ديل جيوكوند الذي تزوجها سنة1495
والتي قضىالفنان في رسمها ما يقارب الخمس سنوات. حيث كانت مثابرة على الجلوس أمامه
في مرسمهطيلة هذه المدة, وحتى تضل محافظة على ابتسامتها الخالدة يحكى أن الفنان
كان يحضرلها الموسيقيين والشعراء ليطربوها وهي جالسة أمامه كي تبقى متدفقة بالحياة!
وقداختلف الدارسون لهذه الرائعة هل هي نقل حرفي لملامح ليزا أم أن الفنان أرادها
أنتكون خلاصة لخبراته وتجاربه الفنية, وكتابا مفتوحا لفلسفته الجمالية, فأغدق
عليهامن روحه وعاطفته ووهبها من أسرار الجمال ما لم تكن تتمتع به في الواقع. ومها
يكن منأمر فانه قد وفق في ذلك الى حد الكمال. فلم يستطع فنان قبله أو بعده سبر
أغوارالنفس البشرية بذا الشكل ولا بهذا التوفيق بين النعومة المطلقة المشعة من
ليزاوابتسامتها الآخذة بالألباب, وبين قسوة الطبيعة الماثلة خلفها المتمثلة في
قممجبال الألب الحادة ومياهها الباردة, وكأن روح ليزا الدافئة وابتسامتها الرقيقة
قدوزعت النعومة على المكان, فكست المنظر الطبيعي في الخلفية بغلالة التسامح
واللنواللطف والحلم المنبعث من عيني ليزا الساحرتان.. ولم تكن لموناليزا محط
دراسةوتمحيص وإعجاب من قبل الفنانين والنقاد والأدباء وحسب بل إن علم النفس قد
أدلىبدلوه هو الآخر في محاولة لكشف أسرار هذا الوجه الفاتن. وكان التفسير المثير
هوالذي قدمه شيخ مدرسة التحليل النفسي فرود الذي ارجع ذلك الى عقدة اردوديب
والغريزةالجنسية, حيث يرى هذا الطبيب النمساوي في كتاب له عن ليوناردو كان يعاني
من عقدةاوديب مستدلا على ذلك برؤية رواها ليوناردو مفادها انه عندما كان طفلا رأى
نقطةسوداء في السماء, وسرعان ما تحولت تلك النقطة الى نسر اقترب من ليوناردو وداعب
فمهبديله.. ليستنتج الطبيب المذكور أن هذه اللوحة لا تمثل في الحقيقة إلا أم
الفنانوتعلقه بها, ولاتعبر إلا عن الشبق والرغبة والحرمان المبكر من الأم التي
استأثر بهاالأب.. ومهما كانت الأقوال والتحليلات تضل لموناليزا شامخة على عرش الفن
والزمانمعا. وقد كان ليوناردو حريصا على خمل هذه اللوحة معه في كل أسفاره دون
سواها كدليلعلى مكانتها لديه, خوفا عليها وافتخارا بها.لأنها كانت تمثل نظرته الى
الحياةمختصرة مذهبه, ليتهافت عليها ويتلقفها بعده أشهر ملوك أوربا مثل فرو نسوا
الأ ولسنة1516 ولويس الرابع عشر لتستقر أخيرا في متحف اللوفر كقديسة في
كاتدرائيةالجمال. لكن تعبدها في محراب الفن لم يشفع لها ولم ينجيها من هتلر ومن
لصوص الفن. فاختفت عن الأنظار لما يزيد على السنتين, وكان الرسام لويس ببرود هو الذي
اكتشفسرقتها سنة 1911 واخبر إدارة متحف اللوفر باختفائها ليستيقظ العالم على خبر
سرقةأشهر وأثمن لوحة في العالم من طرف الأرجنتيني الملقب بالماركيز عن طريق
عاملينايطاليين يعملان بمتحف اللوفر. والغريب في الأمر أن يتهم عملاق آخر من أبناء
النوربسرقتها وهو بيكاسو!! لقد كان للجوكندا مفعول السحر في نفوس الفنانين والنقاد
أوالمتلقين العاديين على السواء, فقد قلدها مائات الفنانين بل إن بعضهم رسم نفسه
علىهيئتها كما فعل الرسام فيليب هالسمان وغيره, بينما البعض الآخر جنى أموالا
طائلة عنطريق تزييفها وبيعها, وان متحف اللوفر نفسه يضم بين جنباته بالإضافة الى
القطعالفنية الأصلية ما يقرب من 5000 قطعة فنية مزيفة من بينها واحدة مزيفة
للجوكندالاتستطيع التفريق بينها وبين الأصلية إلا بواسطة الكشف بالأشعة, حيث يظهر
التحليلأنها مرسومة على لوحة قديمة كان اسمها (بركة الوحل).. أما الأدباء والشعراء
فقدأسالوا حبرا كثيرا في وصفها والتغني بها, ولست إلا واحدا من الذين وقفوا
مبهورينأمام لموناليزا عبر العصور.ففي زيارتي الأولى لمتحف اللوفر صيف1989
كانتلموناليزا أول المبحوث عليهم في مدينة الفن, وكانت التجربة الواقعية أروع مما
سبقأن قرأت أو رأيت من كتب أو صور لهذه الرائعة, فوجدتني في خضم النشوة الفنية,
وغمرةالإحساس بالجمال, أدندن بهذه الكلمات التي دونتها
كقصيدة تحمل عنوان :
سيدة الفنالمتربعة على عرش الزمان.
سيدتي ذات الفم المطبق على السر العظيم ,
كل العوالم خلفك تهفو هائمة إليك,
الى مكامن الروعة الدفينة في أغوار عينيك!
تجليك- سيدتي السماوية- لمرآة الفنان
أربك ريشته الأسطورية,
فتساوت لديه الابتسامة بالتجهم!
أتراك أبحت له بسر الجمال المتدفق منك حولك؟
أم هو الوقار الذي يدثرك كف ثغرك الملائكي عن البوح؟
اهو الحياء والخجل وراء نظرتك الساهمة,
الأفراح أم الأتراح؟
حيرة أبدية!!
أناملك المبللة بالحلم الرباني تحتويني.
تعريني, تخترقني كسهم الحب العذري!
أنفاسك تسري في أوصالي كتيار اللذة السامية!
وميض الحب في عينيك يمنعني من إطالة النظر,
فيرتد إلي بصري خاسئا وهو حسير!
سيدتي المتوهجة في جمالك
وراء سلطان الزمان,
وداعتك, همس البهجة في وجدانك,
دلالك تسبيح للجمال المبهور بجلالك!
غموض ابتسامت كالساحرة, القادمة من العالم العلوي
أضاعتني في مدينة الفن الصاخبة!!
الى مكامن الروعة الدفينة في أغوار عينيك!
تجليك- سيدتي السماوية- لمرآة الفنان
أربك ريشته الأسطورية,
فتساوت لديه الابتسامة بالتجهم!
أتراك أبحت له بسر الجمال المتدفق منك حولك؟
أم هو الوقار الذي يدثرك كف ثغرك الملائكي عن البوح؟
اهو الحياء والخجل وراء نظرتك الساهمة,
الأفراح أم الأتراح؟
حيرة أبدية!!
أناملك المبللة بالحلم الرباني تحتويني.
تعريني, تخترقني كسهم الحب العذري!
أنفاسك تسري في أوصالي كتيار اللذة السامية!
وميض الحب في عينيك يمنعني من إطالة النظر,
فيرتد إلي بصري خاسئا وهو حسير!
سيدتي المتوهجة في جمالك
وراء سلطان الزمان,
وداعتك, همس البهجة في وجدانك,
دلالك تسبيح للجمال المبهور بجلالك!
غموض ابتسامت كالساحرة, القادمة من العالم العلوي
أضاعتني في مدينة الفن الصاخبة!!
بقلم: محمد الزبيري




0 التعليقات:
إرسال تعليق