الخميس، 7 مارس 2013

استجواب حول الفن و قضاياه

استجواب حول الفن و قضاياه

كتبهامحمد الزبيري ، في 28 مارس 2006 

وأنا اقلب أوراقي وقعت عيني على جريدة كانت قد أجرت استجوابا معي على هامش احد معارضي, ونشرته سنة 1989. وعند مراجعة الاستجواب لاحظت انه قد حوى مضامين ومفاهيم هامة,  ومواقف لم تتغير لدي رغم مرور  أزيد من 17 سنة عليها. لهذا ارتأيت تقديمها هنا للزائر الكريم ,لأنها في الحقيقة تشكل ملخص فلسفتي الفنية.آملا ان تجد فيها المتعة والفائدة.



الفنان التشكيلي محمد الزبيري لـ: "ميثاق الشباب":
الناقد هو المقعد الشاغر في دنيا التشكيل المغربي
من مميزات اللوحة التشكيلية أنها عمل فني مرن يقبل عدة تفاسير


احتضنت قاعة المعارض لدار الشباب بالقصر الكبير في الفترة مابين 31 أكتوبر و16 نونبر 1989 معرضا فنيا للفنان التشكيلي محمد الزبيري , وقد ضم المعرض39 لوحة تشكيلية.
والفنان محمد الزبيري من مواليد 1966, تابع دراسته بكل من القصر الكبير وشفشاون, والتحق بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان حيث حصل على دبلومه في مادة الديكور ليرحل بعد ذلك إلى كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة الفاتح بليبيا غير أن ظروفا خاصة لم تسمح له بالإستمرا ربها فغادرها إلى في رحلة دراسية إلى فرنسا.
أقام عدة معارض شخصية بكل من القصر الكبير وشفشاون وتطوان والعرائش والرباط والدار البيضاء والقنيطرة. وبدعوة من الإدارة المنظمة لمهرجان أصيلة شارك في محترف الحفر سنة 1987. وبليبيا شارك في معرض الانتفاضة وأقام معرضا شخصيا بجامعة الفاتح بطرابلس سنة1988 وأنجز جدارية عن الوحدة المغاربية لصالح النادي المغربي للثقافة والرياضة بليبيا وحاز على عدة جوائز وشهادات تقدير داخل المغرب وخارجه..
ولنتعرف على تجربة الفنان الزبيري مع الفن التشكيلي كان لنا هدا الحوار الفني:
* كيف كانت إرادة الاتجاه الفني عند الفنان الزبيري؟
ـالبداية طبعا كانت مبكرة, مند فترة الكتاب بالقرية, فقد كنت شغوفا بالرسم على اللوح الخشبي الذي كنا نكتب عليه ما يمليه علينا الفقيه من القرآن الكريم. فكانت هوامش لوحي تمثل بالنسبة لي دعوة صريحة للرسم, ارسم نماذج بشرية وزخرفية ونباتية, وكما ذكرت لك في لقاء سابق ـ كنت أُ نهر وأَعاقب عقابا شديدا من طرف الفقيه الذي كلما رأى تلك الرسوم الا واستعاد بالله من الشيطان الرجيم. لاعنا سابا فاعل هذا الشيء الحرام!ولم اعد اكتفي بلوحي فقط بل أصبحت املأ ألواح زملائي. وكان يعز علي ضياع تلك الرسوم كل صباح, حيث تذهب عندما يمحى اللوح. فعمدت إلى الفحم وبدأت ارسم فوق الجدران, مدفوعا بقوة لا اعرف مصدرها, الشيء الذي نلت بسببه عقابا شديدا لازلت اذكره
والغريب في الأمر أنني لم أكن اعرف ان هذا الذي أقوم به يسمى فنا, وله مدارس ومتاحف وكليات ومذاهب. فقد كنت اعتقد فقط أنني شخص( ذكي ) كما كان يردد ذلك أهل القرية عندما يرون تلك الرسوم. وكلما كبر سني كلما كبرت رغبتي في الرسم.. وعندما رحلت إلى مدينة القصر الكبير للالتحاق بالتعليم الأصيل اكتشفت عالما جديدا.فقد بهرتني الملصقات السينمائية بألوانها الجذابة وحجمها الكبير ورومنتيكية التعبير فيها..ووقفت أمامها ساعات طوال وقلدت الكثير منها.. وهكذا علمت أن هذا الذي كنت أقوم به هو شيء مشروع, هو فن قائم بذاته, فحمدت الله على ذلك, ولم البث أن أترث انتباه أساتذتي فنصحني بعضهم بدراسة الفن, فكان التحاقي بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة التي فتحت لي باب الفن.
* ماذا عن تقنية اللوحة ومكامن خصوصياتها عند الفنان الزبيري؟
ـ تختلف نظرتي للوحة باختلاف حالتي النفسية, فهي أحيانا بالنسبة لي فضاء مخيفا اشعر نحوه بالرهبة والرغبة, ولا ارتاح إلا عندما أسيطر عليه سيطرة تامة, وأحيانا أجدني اطمئن لتلك اللوحة العذراء التي سأبوح لها بسر ما وتصغي إلي, وتتفهم جيدا ما تفضي به لها الفرشاة. عند ذلك اشعر أن لحظة الولادة قد حانت, فأضع ذلك الثقل بكل حنان وتغمرني نشوة الانتصار. فاللوحة عندي هي إيقاع اللون والشكل والضوء في إطار الإجابة على جملة من الأسئلة التي تطرحها علي البيئة العامة والمجال الخاص, فأحاول صياغتها على شكل معادلة جديدة لواقع مؤرق. فالموضوع تارة يكون عندي بمثابة بساط السند باد امتطيه كي أجول وأصول في عالم الشكل واللون. وتارة أخرى يكون العكس, أي الشكل واللون وسيلة لكشف حقيقة ما. وكثيرا ما يتعانق الاثنان معا. هذا يعني أن اللوحة قد تمثل حقيقة داخلية أو خارجية. وأحيانا تكتفي بذاتها وتمثل نفسها: لون وشكل وضوء. لغة التشكيل هنا هي الأنغام بالنسبة للموسيقى. أما عن التقنية فأظن أن لكل فنان أسلوبه الخاص في بناء ومعالجة موضوعه. ولا يمكنه التخلص من طرازه مهما تطورت تجربته ونمت خبرته. والأسلوب أو الشخصية لا يعني التكرار أو الجمود والتناسخ والاجترار. بل هو كل خبرة الفنان وتجاربه واستعداداته. هو تلك الروح الكامنة التي تلازمه وتطبع أعماله سواء تناول التشخيص أو التجريد. لكن المشكلة تكمن في كيفية اكتشاف هذه الشخصية والمحافظة عليها والعمل على فرضها وإظهارها للعيان إن كانت خافية. وتلك واحدة من المهام المتعددة الملقاة على عاتق الناقد الذي ما أحوج التشكيل المغربي إليه.
* كيف تنظر للفن التشكيلي ببلادنا وهل يمكن الاعتراف بتشكيل مغربي لا يعتمد المدارس الغربية؟
كانت ـ ليست هذه المرة الأولى أو الأخيرة التي يتحدث فيها عن التشكيل المغربي الذي قيل عنه الكثير ولازلنا ننتظر منه الكثير, فمن خلال احتكاكي بالجمهور في معارضي وزيارتي للكثير من المعارض داخل المغرب في السنوات الأخيرة , وكذلك من خلال تصريحات العديد من الفنانين, تأكد لي أن معادلة الفنان ـ الجمهور لازالت معادلة صعبة. فالكيفية التي يتعامل بها هذا الجمهور مع اللوحة أو العمل الفني لازالت مشكلة قائمة بذاتها بالنسبة لبعض الفنانين. ويمكن لأي منا أن يلمس هذا, فلازالت اللوحة الفطرية والفلكلورية تنتشر وتكتسح بيوتنا وتحقق انتصارات على حساب العمل الفني الجاد. ولازال العديد من رواد المعارض يقفون أمام لوحة تجريدية يبحثون عن شيء مجسم معهود قد يكون مختفيا هنا أوهناك. وعندما لا يجدون شيئا من هذا القبيل يتهمون الفنان بالاستهتار والحماقة, وتزداد الهوة اتساعا بين الطرفين خصوصا إذا ثقافة الفنان محدودة, حيث يتحول المسكين إلى مشعوذ أو منجم! وكثيرا ما نلاحظ هذا عند بعض فنانينا بعدما يمطرهم الزوار بسيل من الأسئلة التي غالبا ما تكون غير مشروعة من قبل: ماذا في هذه اللوحة؟ ماذا تعني؟ ماذا تمثل؟ ويساهم في اتساع الهوة الغياب الملحوظ للفنانين عن معارضهم, فلا يجد الزائر العادي من يقربه من العمل الفني التجريدي. أما عندما يواجه لوحة تشخيصية أكاديمية فانه يرتاح لها ويعجب بها, لأنها في نظره لا تحتاج إلى مرشد. كل هذا يعني أننا لم نتخلص من رواسب الماضي في الوقت الذي يخطو فيه الفن في العالم الآخر خطوات واسعة إلى الأمام. هذا المشكل من بين المشاكل العديدة التي تعترض سبيل الفن المغربي. والمسؤولية في رأيي تتقاسمها جهات أربع: الفنان المغربي الذي تطالبه الحقبة التاريخية والبيئة الاجتماعية بنا لا تطالب به نظيره في الغرب. إذن عليه أن يقوم بدور الإبداع والتنظير وتبصير الجمهور بحقيقة الفن ومهمته. وهي مهمة حضارية تاريخية صعبة, وعلى الفنان أن يكون في المستوى. الطرف الثاني هو الناقد وهو المقعد الشاغر في دنيا التشكيل المغربي, حيث يغيب النقد الفني غيابا يكاد يكون كامل باستثناء محاولات قليلة, وهو ما يجعل عجلة الفن عندنا تدور ببطء. أما الطرف الثالث فهو الجهة الرسمية المسؤولية التي عليها أن تدعم الفنان الجاد بما لديها من وسائل وإمكانيات وتعمل على إيجاد البنيات التحتية الأساسية التي نفتقدها في المغرب. والطرف الرابع والأخير الذي يلعب دورا هاما وخطيرا هو الإعلام. وسائل الإعلام باختلاف أنواعها. فكلنا ندرك مدى أهميتها وتأثيرها على الساحة التشكيلية المغربية. وبتعامل فعال بين هذه الجهات الأربع يمكننا تجاوز هذه المرحلة التي طالت أكثر من اللازم..وهذا لايعني أن ليس هناك تشكيل مغربي رفيع وجمهور متذوق, لكننا لم نصل بعد إلى المستوى المنشود. أما بخصوص تشكيل مغربي لا يعتمد المدارس الغربية, فأظن انه لم يحن الوقت بعد مع كامل الأسف, لأننا لا نتوفر على الدعامات والبنيات الأساسية الكفيلة بتكوين فنان مغربي تكوينا قويا لا نعتمد فيه على الغرب. وهذا الشيء يعتبر الآن بعيد المنال. فكل فنانينا يتكونون في الغرب. فكيف نطالب هذا الذي تكون في معاهد الغرب وتنفس فضاءه التشكيلي وتغذى على متاحفه, وعايش مذاهبه, أن يتخلى عن الغرب؟ انه السؤال المشكل!
* التشكيل بين التقليد والتحديث, بين الكلاسيكية والرمزية.. ما موقف الفنان الزبيري من المنهجين؟
ـ تلك واحدة من القضايا التي طالما نوقشت ولازالت تناقش بحدة كلما فتح ملف التشكيل المغربي الذي من سوء حظه انه في الوقت الذي كانت تنهار فيه إمبراطورية التشخيص في الغرب كان بعض الفنانين المغاربة قد أكملوا تعليمهم الأكاديمي بمعاهد الغرب وعادوا ليسهروا على تكوين أجيال الفنانين. وعلى الرغم من التحول الجدري الذي عرفه الفن في تلك الفترة ضلت هذه الفئة متشبثة بالأساليب الأكاديمية الكلاسيكية, الشيء الذي عمل الاستعمار ايضا على ترسيخه في ادهاننا فأصبح من الصعب على الفنان والجمهور معا مسايرة ركب الفن الذي يتجه نحو الذي لنا علاقة وطيدة به. فالفنون العربية الإسلامية مبنية على مبدأ التجريد. إننا حتى لو قارنا بين العقل العربي والغربي لوجدنا أننا اقرب منهم إلى التجريد. ففي العقيدة الإسلامية مثلا عندما نتحدث عن الخالق سبحانه وتعالى نقول بتنزيهه (ليس كمثله شيء) هو المطلق… بعكس الديانات الغربية التي أسرفت في وصف الخالق بالصفات المادية حتى قربته من البشر. بل جعلته بشرا. وهذا لا يمنعنا من التعامل مع التشخيص. المهم أن يكون الفنان صادقا مع نفسه بعد ذلك يبقى التشخيص أو التجريد مسألة شكلية فقط, لأن التجريد عند بعض الفنانين ـ سامحهم الله ـ ما هو إلا ذريعة للهروب من الواقع وإخفاء العجز. كما أن التشخيص عند البعض ايضا ما هو إلا تقليد أعمى واستغلال للعين الساذجة. وهذا دليل على عدم القدرة على مسايرة ركب الفن والتخلص من رواسب الماضي. ما نحتاج إليه ليس تحديدا التجريد أم التشخيص, الكلاسيكية أم الرمزية. بل نحتاج إلى الفنان الحقيقي الصادق. أما بالنسبة لي فإنني لآخر, اسبح في عالم الأرواح, في دنيا التجريد..روحا دون جسد, من حين لآخر , اشعر بحنين إلى المادة, إلى التشخيص, فأعود إليه لأتركه ثانية إلى دنيا التصوف والصفاء.
* لقد تعددت التجارب والاتجاهات الفنية, وتباينت وتنوعت المدارس الفنية حتى أصبح من الصعب عم سحب هذه التصنيفات الفنية على أي فنان, لكن هل يبقى الفنان حيث يضعه النقاد والمتذوقون, أم ترى أن هناك اختلافا؟
ـ في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين وبالإضافة إلى المذاهب الفنية التي توالت وتناسخت بسرعة. فأصبح كل فنان يصنف بناء على تلك المدارس التي باتت تمثل مرجعا للنقاد. وكثيرا ما يكون هذا التصنيف خاطئا لأن الإبداع لم يتوقف والفنان يواكب عصره, وعجلة الفن تدور وتاريخ الفن نفسه أتبث لنا ان هناك عددا كبيرا من الفنانين تقدموا عصرهم فأسيء فهمهم وحكم عليهم بما لا يتناسب وإبداعاتهم التي كانت جديدة. ولم يدرك المجتمع قيمة فنهم إلا بعد مرور حقب على موتهم. بل إن بعضهم نسبه النقاد لعدة مذاهب في نفس الآن. والحقيقة انه كان يمثل نهجا خاصا به.فليس من الضروري الجزم بما لم تكشف عنه الأيام بعد. هذا بالإضافة إلى أن التصانيف لايمكن أن تكون صائبة مائة بالمائة اذا ماطبقت على الفنان العربي الذي مرجعه هو التراث العربي الإسلامي بمنظوره الروحي. وحكمنا عليه من منظور غير هذا سيكون باطلا. هناك مذاهب انتهى دورها ولم يعد لها مجال في مجتمعنا. وهناك مذاهب أخرى ايضا نقلها إلينا الغرب أو بعض الفنانين العرب الذين بهرتهم فعادوا بها من أوربا, لكنها لم تجد التربة التي تنمو فيها فماتت موتا بطيئا كالسمكة عندما يخرجها الصياد من البحر. وهناك مذاهب لا زالت تحيا في مجتمعنا لكنها سترحل لا محالة.
* الأصالة والتجديد قضية أو معادلة فرضت نفسها خلال حقبة طويلة, وقد دار حولها نقاش مستفيض.. فما رأيك في موضوع الأصالة والتجديد؟
ـ فعلا سال مداد كثير في الجدل الدائر حول الأصالة والمعاصرة, لكن جانبا كبيرا منه هو سبب الاختلاف في تفسير مفهومي الأصالة والمعاصرة.ذلك أن عددا كبيرا من الفنانين يظن أن الأصالة هي الفولكلورية, أي تقديم الموروث الحضاري من عادات وتقاليد شعبية وغيرها تقديما استعراضيا سطحيا في أعمال يصفق لها الغرب كثيرا. وهذا ما يفعله جل الذين يزعمون الواقعية. بينما الأصالة هي التفرد والتميز والابتكار مع هضم وفهم عميقين للتراث الذي علينا أن ننطلق منه ونضيف إليه, لا أن نضل نلوكه دون أن نلفظه أو نسوغه, لا يجب أن نجعل التراث قيدا يمنعنا من الانطلاق نحو المستقبل, فعندما نفهم الأصالة فهما صحيحا سندرك أن ليس هناك تعارضا بينها ويين المعاصرة. بل لا يمكن فصلهما عن بعض. لأن المعاصرة شرط من شروط العمل الفني الأصيل.
* في معرضك الأخير وقف المشاهدون أمام لوحاتك وقد تفاوتت تفسيراتهم لها, باختلاف تفاوت المستوى الثقافي ودرجت الوعي الفني. فماذا يمكن أن يكون تفسير الفنان نفسه لهذه اللوحات؟
ـ اختلاف مستويات زور المعارض شيء ندركه جيدا, وهو ما يوجب على الفنان المغري التواجد باستمرار داخل قاعات العرض كي يساعد هؤلاء على خلق حوار بينهم وبين الأعمال الفنية, لكن مشكل جمهورنا انه يريد أن يفهم ولا يسمح للعمل الفني أن يخاطبه باللغة الفنية قبل أن يخاطبه باللغة الأدبية الروائية, وهو بذلك يضع حاجزا بينه وبين العمل التشكيلي, لأن الأعمال الفنية لا تقرأ وإنما تحس. ومن مميزات اللوحة التشكيلية انهاعمل فني مرن يمكنه أن يقبل عدة تفاسير ويخاطب كل شخص حسب ثقافته البصرية وخبرته الجمالية. أما أعمالي فلا أظن أنها تواجه هذه المشكلة لأني اعرف جيدا الجمهور المغربي. وأقدم له تشكيلا ينطلق من البيئة ويعالج المشاكل القائمة ويجيب على الأسئلة التي يطرحها العصر. كل هذا في إطار جمالية عربية أصيلة. ففي هذه الحالة تبقى عملية التجاوب مع الأعمال الفنية عملية يسيرة.لأن المتلقي سيجد فيها نفسه. ألآمه وآماله وأحلامه. تاريخه ومعتقداته وهويته. إنني اعتمد في هذه المرحلة كثيرا على بعض نظريات علم النفس مثل نظرية اللآشعور الجمعي لأقترب أكثر من الجمهور ومن الواقع في نفس الوقت أتلقى إشكالية: هل على الفنان أن ينزل عند الجمهور أم العكس؟ هذه باختصار مبادئي في العمل. أما تقييم أعمالي فتلك مهمتكم انتم.
* ماهو الدعم الذي يمكن امن يقدمه الإعلام أو الصحافة في مجال الفن التشكيلي؟
ـ لقد قال احدهم: اعطني وسائل الإعلام أعطيك العالم. وأنا أقول: اعطني جزء يسرا من وسائل الإعلام أعطيك تشكيلا جيدا. إن إعلامنا بمختلف أشكاله يتعامل مع التشكيل كطرف إعلامي زائد عن الحاجة, ولا يوليه ما يستحقه من اهتمام. ففي الجرائد مثلا نلاحظ انهناك اهتماما متزايدا بفنون أخرى حيث تخصص صفحة أسبوعية للسينما وأخرى للمسرح.. وهذا شيء جميل جدا. لكن لماذا لاتكون هناك صفحة للتشكيل أيضا؟.. هذا الفن الذي يحتاج أكثر من غيره لدعم اعلامي نظرا لوضعيته الصعبة بين باقي الفنون داخل مجتمعنا. هذا فضلا عن عدم وجود منبر اعلا مي خاص به. وتلك مشكلة يعاني منها التشكيل العربي بصفة عامة. ليس المطلوب من إعلامنا هو تتبع وتغطية المعارض فقط بل شرح وتفسير وتقريب الفن التشكيلي من العامة والإشادة بالفن الرفيع وغض الطرف عن الشوائب التي تعلق به. والتي من شأنها أن تسيء للتشكيل المغرب. فدور الإعلام دور أساسي في الدفع بعجلة الفن إلى الأمام. وعليه أن يتعامل بمسؤولية وجد وحزم ايضا.
* ماذا تستفيد من معارضك وماهي مصادر استلهام لوحاتك؟
ـ استفادتي هي أن أرى نشوة الانتصار, وابتسامة الظفر ترسم على محيا ذلك الذي يتأمل لوحاتي عندما يصل إلى مكامنها ويكتشف أسرارها عندما يصل التجاوب الىذروته. فأجده يمر بتجربة جمالية مشابهة لتلك التي كنت أمر بها عند وضعي هذا الجنين. استفيد معنويا عندما أرى الروح الجماعية تسود داخل قاعة العرض وتتراجع الأنا إلى الوراء..عندما اشعر أنني قد وفقت في القيام بالواجب في نقل الحقيقة للآخرين.. عندما اشعر أن الآخرين ينفعلون بما تفاعلت معه سابقا, وان نفس الرعشة التي أخذتني أمام موقف ما, هي الآن تجري في أجسادهم. هذا بالإضافة إلى إن احتفائي بالجمهور والإصغاء لملاحظاته وآرائه التي أنطلق منها إلى ما وراءها تكون بالنسبة لي بعد ذلك ومضات على الطريق. أما عن مصادر استلهام لوحاتي فلا أستطيع أن احدد منبعا معينا الآن. هناك جداول كثيرة تصب في نهري, اي شيئ انفعل به ويولد في نفسي حركة وإعصارا يصبح بعد ذلك مصدرا للعمل الفني. الحياة اليومية عامة وتجربتي السابقة, ومخزون ذاكرتي وعقيدتي الإسلامية, والتراث العربي بالخصوص…كل هذه ينابيع ارتوي منها واصدح تحت تأثيرها.
* ماهي خطواتك المستقبلية؟
مشارعي متعددة شعارها مواصلة الدراسة والبحث والتجديد من اجل توسيع أفقي.
·                         كلمة أخيرة:
·                         أشكركم على عنايتكم ومزيدا من الإهتمام بالتشكيل المغربي حتى يرقى إلى المستوى المنشود. فالخدمة التي يقدمها رجل الإعلام للفن لا تقل أهمية عن دور الفنان نفسه.


أجرى معي هذا الاستجواب الصحفي:عز الدين المونسي
ونشر بجريدة الميثاق الوطني المغربية بتاريخ:7 دجنبر 1989

0 التعليقات:

إرسال تعليق