نزعة العدوان
الإسرائيلية قديمة وتتكرر
كتبهامحمد الزبيري ، في 23 نوفمبر 2006
هذا المقال كنت قد
بعثته الى جريدة العرب الأسبوعي التي تصدر في لندن,خلال العدوان الإسرائلي على
لبنان. لكن لأسباب اجهلها لم تنشره الجريدة المذكورة الا يوم السبت المنصرم 18 نونبر 2006
كرة الثلج لاتني تكبر
نزعة العدوان الإسرائيلية قديمة وتتكرر
في كتاب صدر في إسرائيل سنة 1984 تحت عنوان:(كرة الثلج), عن الاجتياح الصهيوني
للبنان سنة 1982, لمؤلفه شمعون شيفر الذي كان يعمل مراسلا وصحفيا بالتلفزيون
الإسرائيلي, يؤكد صاحب الكتاب أن مخطط الاجتياح كان منجزا من قبل شارون وموافق
عليه من طرف الحكومة الإسرائيلية منذ سنة 1981؛ وبعلم من أمريكا ومباركة من الموارنة
اللبنانيين. وكانت إسرائيل تنتظر فقط المبرر لتنفيذ المخطط.
فما أشبه الأمس باليوم لكن ما ابعد الامس عن اليوم !
لقد كان الصهاينة ينتظرون أية ذريعة لتنفيذ خطة الاجتياح, وكان أن قتل
إسرائيليان في غابة بولونيا قرب باريس في أيار ماي من سنة 1982, فظنت إسرائيل أن
الفرصة قد حانت ؛ لكن فرنسا سارعت إلى الإعلان أن الإسرائيليين قتلا بسبب تصفية
حسابات داخل عصابة للجريمة المنظمة كان القتيلان ينتميان إليها؛ فسقط في يد
الصهاينة..ويذكر صاحب الكتاب أن إسرائيل ما لبثت أن وجدت ضالتها في حادثة اغتيال
سفيرها في لندن؛ وهكذا واستباقا لنتائج التحقيق التي قد تظهر أن الجهة المتورطة في
الجريمة ليست فلسطينية فتضيع الفرصة ويتأجل مخطط الاجتياح من جديد, سارعت إسرائيل
إلى شن غارات جوية على بيروت فورا بما يزيد على أربعين طائرة حربية…فكان اجتياح
1982 بمآسيه و دماره ومذابحه (صبرا وشاتلا ) نموذجا.
وكما كان لاجتياح 1982 ممهدون ومتواطئون ومباركون من خارج لبنان ومن داخله
بالخصوص, يذكرهم صاحب الكتاب بأسمائهم وبالتفصيل الممل, متذرعين بحجة القضاء على
التواجد السوري بلبنان الذي يهدد الوجود المسيحي حسب زعمهم؛ كذلك هاهو
التاريخ يعيد نفسه ليس بحذافيره ولكن بأنماط أخرى, وهاهو العدوان على لبنان اليوم
والذي كانت خطته جاهزة منذ زمن ليس بالقريب, و تنتظر المبرر فقط, أقول هاهو
لبنان يحرق من جديد, وليست قصة اختطاف الجنديين الإسرائيليين من طرف حزب الله سوى
نسخة جديدة لذريعة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن سنة 1982, لإنجاز ما سبق
تبييته والتخطيط له بين الصهاينة والأمريكيين وجهات لبنانية رأيناها تتردد على
البيت الأبيض, ممهدة للعدوان باغتيال الشهيد رفيق الحريري, وتأليب الرأي العام
اللبناني والدولي على سوريا لإخراجها من لبنان حتى يتيسر الاجتياح.
سوريا التي اعتادت هذه الجهات تقديمها ككبش فداء لأي اجتياح أو محرقة مدبرة من
قبل الصهاينة وأعوانهم من المتآمرين على القومية العربية وكرامة الأمة, سواء أكان
الهدف المعلن هو ضرب المقاومة الفلسطينية كما حدث في اجتياح 1982 أو ضرب المقاومة
الإسلامية كما يحدث اليوم, فلا بد من المشجب السوري لتعلق عليه جرائم الصهاينة
وأعوانهم.
الموقف العربي
في اجتياح 1982 يبدو انه كان لنا موقف أكثر شجاعة من اليوم, واقصد هنا موقف
الأنظمة العربية, فقد كنا أوفياء لنهجنا الكلاسيكي الرسمي؛ لأننا استطعنا على
الأقل رفع الصوت بالعويل والتنديد بالعدوان بصوت واحد..أما اليوم فلم يسمح لنا حتى
بالبكاء !فاكتفى النظام الرسمي العربي بصمت رهيب لا تشقه سوى صيحات التنديد والاستنكار
التي يطلقها الشارع العربي المغلوب على أمره !
لكن الأسوأ والأخطر من ذلك كله ما صدر عن بعض الأنظمة العربية من مواقف
وتصريحات غريبة وخطيرة في نفس الوقت, تنذر بحال عربي أسوء مما نعيشه اليوم. فبدل
أن تندد تلك الأنظمة بإسرائيل وتشجب عدوانها المشين وتقف إلى جانب الحق العربي
والمقاومة الوطنية اللبنانية, نراها تندد بالمقاومة وتكيل لها الاتهامات, بل وتقمع
حتى من تظاهر سلميا للتضامن مع الأشقاء في لبنان, الذين يبيدهم الصهاينة,و يسومون
سوء العذاب من بقي حيا منهم !! وتلك مواقف جديدة ومفاجئ, وتطور ذو دلالة في الموقف العربي, لم يكن منتظرا ,
بل فاجأ حتى العدو نفسه الذي فهمه على انه دعم وتشجيع له على الاستمرار في عدوانه؛
بينما فسر البعض هذا الموقف على انه إقرار ضمني من تلك الأنظمة العربية لإسرائيل
على تصفية المقاومة الإسلامية في لبنان, لكسر شوكة التيارات الإسلامية المتنامية
في جل الدول العربية, حيث باتت تلك التيارات تشكل قوة نامية تسير بوثيرة تقلق هذه
الأنظمة وحلفائها في الغرب على السواء. وأكثر من ذلك بدأ البعض يعزف على وتر حساس,
له رنة خطيرة جدا, ألا وهو وتر الصراع المذهبي القديم الجديد بين السنة والشيعة,
والذي من شأنه أن يفجر الوضع العربي ويضيف بؤرة توتر جديدة مشابهة لما هو حاصل في
العراق الآن؛ وذلك لأحد سببين اما لإخفاء عجز الأنظمة العربية وتبرير تخاذلها أمام
شعوبها, وإما لفتح ثغرة أخرى في الجدار العربي الإسلامي الممزق أصلا, في محاولة
صهيونية مسمومة للإجهاز على ما تبقى من آثار اللحمة فيه.
الموقف الأمريكي من فرساي 1982 إلى بوطروسبورغ 2006.
لقد كان الرئيس الأمريكي رونالد ويجن على علم مسبق بغزو إسرائيل للبنان سنة 1982
حتى قبل أن يذهب إلى مؤتمر السبعة الكبار المنعقد بقصر فرساي بفرنسا ’ ليضغط هناك
على المؤتمرين لعدم الإغلاظ في القول لإسرائيل ا وثنيها عن الاستمرار في غزوها
للبنان؛ بحجة أنها تنتقم لمقتل سفيرها في لندن, والذي أظهرت تحقيقات شرطة
سكوتلنديار أن لا علاقة للفلسطينيين به ! وبعد 24 سنة هاهو جورج بوش أيضا على علم واطلاع بالمخطط المهيأ من قبل
الصهاينة لاجتياح لبنان, ذلك المخطط الذي باركه ودافع عنه دون حياء أو خجل, بادلا
كل ما في وسعه لإقناع الثمانية الكبار المجتمعين في بترس بورغ, ليس لأجل الصمت
فقط, يل طالبا منهم مباركة العدوان الصهيوني, بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن
نفسها !!
فرغم أن اجتياح سنة 1982 قد هيمن على مؤتمر فرساي, وناورت الإدارة الأمريكية
كعادتها لصرف أنظار العالم إلى مواضع أخرى مثل الخطر السوفيتي المزعوم, والحرب
العراقية الإيرانية, وأزمة جزر المالوين, وتحت ضغط الأمريكان لم يصدر عن المؤتمر
سوى بيان شاحب يعرب فيه عن قلقه تجاه ما يجري في لبنان..
أما قمة الثمانية الكبار في بطرس بورغ, وقد تطور العالم وأصبح رهبن الكوبوي
الأمريكي ـ وبلد يحرق وشعب يباد أمام أنظار وأسماع المتآمرين ـ فلم تعرب تلك القمة
عن قلقها حتى, كما كان الشأن في الماضي, بل أعلنت دعمها للمعتدين تحت قناع حق
الدفاع عن النفس؛ تحت وطأت الهيمنة الأمريكية التي مارست إدارتها نفس اللعبة
القديمة, وهي إثارة الانتباه إلى أخطار مفترضة ومشاكل محتملة, تغطية منها على
جرائم الصهاينة, مثل الملف النووي الإيراني, بدل التصدي لأبشع حرب تشن على
المدنيين الأبرياء, وتهدم البنية التحتية لدولة بكاملها!لكن هذه المرة سقطت الأقنعة وذابت المساحيق؛ فعوض أن تسمعنا أمريكا اسطوانتها
المشروخة بأنها قلقة لما يجري في لبنان, وأنها تعمل على وقف إطلاق النار, وأنها
تدعو ربيبتها إسرائيل إلى ضبط النفس وعدم الإسراف في استعمال القوة وو..هاهي
أمريكا تعلن صراحة ومنذ البداية أنها لا تريد وقف إطلاق النار, وهاهي تزود
الصهاينة بأحدث الأسلحة التي لم تستعملها حتى أمريكا نفسا في كل حروبها
الظالمة !!
أما عن الأمم المتحدة فلا أظن أن أي احد منا يعلق عليها أية آمال تذكر, لأننا
نعرف أنها لم ولن تنصفنا قط في صراعنا مع الصهاينة الذين يسطرون على ذوا لبها,
وفضلا عن ذلك تواجد جنود الأمم المتحدة في جنوب لبنان بالخصوص كثيرا ما كان عبارة
عن طعم يصطاد به الصهاينة المدنيين اللبنانيين الأبرياء المحتمين بعلم هذه المنظمة
كما حدث في قانا الأولى وغيرها. وعندما تقتضي مصلحة إسرائيل تقتيل الجنود التابعين
لهذه المنظمة أو ممثليها فإنها لا تتورع عن ذلك, ولا يقابل فعلها الشنيع هذا إلا
بالصمت من قبل المنتظم الدولي.وعلى سبيل المثال بعد اجتياح 1982 قامت إسرائيل
باختراق صفوف القواة الدولية وقتلت من اعترض سبيلها منهم, وجردت الآخرين من
أسلحتهم كما فعلت بالكتيبة النرويجية..وحتى عندما صدر قرار لمجلس الأمن آنذاك طالب
إسرائيل بوقف إطلاق النار فورا والانسحاب من الأراضي التي احتلتها, فان إسرائيل لم
تلق إليه بالا واستمرت في اجتياحها…
لقد كان الهدف المشترك الصهيوني الإمبريالي الأمريكي المعلن من وراء اجتياح
لبنان سواء سنة 1982 أو اليوم مصنفا تحت اسم: ( تحقيق تسوية مقبولة). والتسوية
المقبولة في قاموس تل أبيب ـ واشنطن تعني الإجهاز على كل أشكال المقاومة, سواء
أكانت فلسطينية أو لبنانية؛ وفصل لبنان نهائيا عن أي حلم مستقبلي له علاقة بأي
مشروع عربي قومي؛ وإجراء طلاق بائن بين سوريا ولبنان, حتى لا تقوم أية قائمة
للمنطقة التي يدرك الصهاينة أهميتها التاريخية كسجل لحضارات طالما سعوا إلى
تزويرها ونسبتها إليهم, وثانيا يعرفون مدى أهمية الموقع الاستراتيجي للبنان كقلب
للعروبة, وكموقع فريد يربط الشمال بالجنوب, ويشكل بوابة هامة على أوربا وسوقا
تجارية لا تعرف الكساد أو الركود, وحقلا ومعبرا لتلاقح الحضارات والأفكار والتجارب
الخلاقة الضرورية لتجديد شباب كل امة؛ وأكثر من هذا وذاك تشكل خزانا مائيا يسيل له
لعاب الصهاينة.
أما الأهداف الصهيونية الواقعية من وراء اجتياح لبنان قديما وحديثا كانت هي
المنطقة الموجودة جنوب الليطاني على الأقل, ونهر الليطاني نفسه؛ فكلنا يذكر أن
عملية غزو لبنان من قبل الصهاينة سنة 1978 أطلقوا عليها اسم:( الليطاني). وهو اسم
يحمل أكثر من دلالة. هذا النهر الذي كان دائما في ذاكرة الصهاينة وتحت أنظارهم,
تذكر المراجع التاريخية انه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى طلب الصهاينة من
مؤتمر السلام جعل هذا النهر حدا لكيانهم المزعوم. بل وحتى قبل ذلك بكثير, ففي سنة
1920 بعث حاييم وايزمان بمذكرة إلى وزير خارجية بريطانيا يقول فيها:(إنني متأكد من
أن سيادتكم تدركون أهمية الليطاني الكبرى لفلسطين, فلو تامنت لها جميع مياه الأردن
واليرموك فلن تفي بحاجاتها. إن الليطاني هو المصدر الذي يمكنه أن يؤمن المياه لري
الجليل الأعلى ولتوليد الكهرباء لإحياء الصناعة)(1)
لكن على ما يبدو الأهداف الصهيونية الآن أصبحت تتعدى نهر الليطاني أمام تخاذل
العرب وفرقتهم ونبدهم للمشروع القومي العربي الذي لا بديل عنه إن أردنا أن نقف في
وجه الطغيان الصهيوني المتعطش لدم الإنسان العربي وابتلاع أرضه..إن ما يجري في
لبنان اليوم هو مسؤولية عربية بالدرجة الأولى, لأننا ـ مع كامل الأسف ـ لم نحسن
سوى التشرذم والتخاصم فيما بيننا؛ وهو ما يهدد الأمة بكارثة اخرى مشابهة
لكارثة فلسطين.
وفي الختام أقول: لقد بقيت إسرائيل وفية لمبدئها عبر كل اجتياحاتها للبنان,
وهو مبدأ الإبادة الجماعية والأرض المحروقة؛ وكنا نحن كذلك أوفياء لمبدئنا في
مواجهتها بالعويل والصراخ؛ باستثناء هذه المرة..فهل هي مقدمة لما هو أسوأ؟
(1) انظر مجلة الدوحة, عدد:115 بتاريخ تموز يوليوز 1985 .ص
23
بقلم : محمد الزبيري



0 التعليقات:
إرسال تعليق