السبت، 9 مارس 2013

ما يلقاه العربي المسلم على يد أبناء جلدته ودينه أدهى وأمر مما يلقاه على يد أعدائه!




كتبهامحمد الزبيري ، في 6 أبريل 2006 


وأنا طفل صغير كنت اسمع حكايات يتناقلها أهل القرية بتأثر واسى, عن مأساة شخص اختفى.
ولم أكن أدرك من القصة سوى أن الخطب جلل؛ وذلك من خلال التأثر الذي كانت تخلفه القصة لدى الراوي والمستمع على السواء وفي مختلف المناسبات.
ويوما بعد يوم بدأت استوعب الحكاية وأدرك أنها فعلا مأساة بما في الكلمة من معنى.
انه شخص شارك في المسيرة الخضراء التي استرجع بها المغرب صحراءه؛ وبعدها انخرط في صفوف القوات المسلحة الملكية. وعندما شب النزاع المسلح المفتعل من قبل الجزائر في الصحراء, كان صاحبنا من الأوائل الذين أسرهم الجيش الجزائري المتخفي وراء صنيعته
البوليزاريو في كمين ليلي…


 تفاصيل لوحة من لوحاتي المستوحاة من هول المأساة

وشاع خبر في القرية مفاده استشهاد هذا الجندي الشاب أتناء معارك الشرف للدفاع عن الوطن! وترك أهله وخطيبته التي كانت تنتظر عودته للاحتفال…ومرت الأحقاب والسنوات,  وتزوجت الخطيبة, ووزع الورثة التركة من ماشية وارض…وتجاوز ت الثلاثين من عمري؛ وذات يوم وأنا أجوب أرجاء القرية, تقدمت إلي سيدة طاعنة في السن وطلبت مني أن أقرأ لها رسالة توصلت بها دون أن تعرف لا فحواها ولا مصدرها. وكم كانت دهشتي عظيمة عندما قرأتها وعلمت إنها من الجندي الذي قيل انه قد استشهد!!
هي رسالة مبعوثة من طرفه لأخته هذه عن طريق الصليب الأحمر الدولي! فلم ادر كيف أوصل إليها الخبر’ وهي تعتقد جازمة أن أخاها قد توفي مند أزيد من عشرين سنة, وهي الأخرى قد أخذت نصيبها من تركته!؟
ولكم أن تتخيلوا الباقي!



ومرت سنوات أخرى على هذه الرسالة والناس بين مصدق ومكذب حتى أتى يوم انتشر الخبر ـ القنبلة ـ في القرية: لقد عاد الأسير الذي زعما انه قد مات! لا أخفيكم أنني بقدر ما كنت مشتاقا لرؤية هذا الشخص والتحدث إليه بقدر ما كنت أ تجنب اللقاء
به, نظرا لحمل سنوات الأسر البغيضة الذي ينوء به, ونظرا للمأساة الأخرى التي سيجدها أمامه: ضياع المال والخطيبة التي كانت قد تزوجت من شخص آخر, بل إن ابنتها قد تزوجت !
ولم تكن هذه هي نهاية المأساة, بل كانت فقط بداية الحكاية ونزع الستار عن سنوات التعذيب والتنكيل, والقهر والتجويع, والإذلال والموت البطيء في غياهب سجون الجزائر!!


وإذا كان صاحبنا قد عاد بجسد نحيل عليل, رسم الجلاد على كل شبر منه خرائط أبشع الأحقاد, وكاهل مثقل بجروح جسدية ونفسية لا تندمل, ليجد المكان غير المكان والزمان غي الزمان والأهل غير الأهل؛ العمر ضاع في الأسر والخطيبة تزوجت والمال ضاع, فانه على الأقل لم يحدث له ما حدث لرفيق له من قرية مجاورة لنا. يحكى انه عاد فرحا مسرورا متشوقا للقاء زوجته وأطفاله, وفي الطريق إلى منزله كان الجميع ينظر إليه بتأثر وإشفاق ! حتى الأشخاص القلائل الذين كان يصادفهم في الطريق وأسعفته ذاكرته في التعرف عليهم وهم يعانقونه كانوا ينظرون إليه نظرة حزينة وكأنهم في مأتم! ولم يستطع أحد منهم إخباره بالحقيقة التي ستصدمه بعد قليل…خرجت زوجته معها أولاد صغارا وكبارا؛ ولم يجد الترحيب والعناق الحميم الذي طالما تخيله وتصورا ن زوجته ستقابله به. وما هي إلا لحظات حتى خرج أخوه!!أظنكم قد أدركتم هول الكارثة! لقد ظن الجميع انه قد استشهد بعد مرور حوالي ثلاثين سنة على اختطافه من قيل الجزائر, فتزوج أخوه بزوجته وأنجبا هؤلاء الأطفال!!



إنها حكاية واقعية يبكي لها القب بدم! وأشخاصها هم الآن أحياء وهم أفضل شهود عليها! وهي مأساة تؤكد مع كامل الأسف أن ما يلقاه الإنسان العربي المسلم على أيدي أبناء جلدته ودينه أبشع وأنكى مما يلقاه على يد غيرهم!


(يتبع)

0 التعليقات:

إرسال تعليق