هل
توظيف الحرف العربي في العمل الفني يمثل طاهرة صحية؟
كتبهامحمد الزبيري ، في 19 مايو 2006
احدى لوحاتي القديمة التي تستلهم الحرف العربي
لا أظنني بحاجة إلى التذكير بان الفن التشكيلي بالمعنى المعاصر قد نفذ إلى
الوطن العربي مع بداية الحملات الاستعمارية على المنطقة في بداية القرن العشرين,
إذ حاول الاستعمار طمس معالم الهوية العربية.
وقد كان رد فعل الفنان العربي هو التمسك بمكتسباته القومية من فنون شعبية وتقاليد…
والخط العربي كان واحدا من بين تلك الإتجاهات المختلفة التي نهجها هذا الفنان
الذي كان يحاول اثبات الذات العربية,
خاصة الجيل الأول الذي كان يشكو من الإستلاب, فأراد بذلك ان يعطي طابعا عربيا
لأعماله الفنية, فارا من الضياع بين ثنايا المذاهب الغربية. وقد كانت هذه الظاهرة
صحية الى حد ما, حسب المرحلة التاريخية التي كان يمر بها الوطن العربي, كما هو
الشأن الآن في فلسطين المحتلة حيث يعمل الصهاينة على تهويدها واجتثات كل ماهو
عربي, بينما الفنان الفلسطيني يكافح من اجل الحفاظ على الإرث الحضاري هناك, متغنيا
في اعماله الفنية بالتراث الشعبي والمفردات والرموز المحلية كرد فعل على حملات
التهويد.
اما في باقي الدول العربية ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه من الفنان اجتياز هذه المرحلة الى ما بعدها حدث
العكس, فانتشر توظيف الحرف العربي في الأعمال التشكيلية, وبات تقريبا هو القاسم
المشترك بين سائر الفنانين العرب باستتناء قلة قل قليلة منهم, وأصبح بالإمكان
تمييز عدة اتجاهات في التعامل مع الحرف, نذكر منها على سبيل المثال اتجاهان: الأول
عمد أصحابه الى استعمال أو توظيف{ الحرف} كمفردة تشكيلية, أو كشكل مجرد ذو قيمة
جمالية. ويكتسي تعاملهم معه في معظم الحالات طابعا صوفيا. من أهم رواد هذا الإتجاه
في المغرب عبد الله الحريري وكذلك حنين… ومن العراق رافع الناصري وشاكر حسن آل
سعيد. ومن سوريا محمود حماد…
اما الإتجاه الثاني فيصل أصحابه الى توظيف{ الكلمة} العربية في اللوحة الفنية كقيمة جمالية وفي نفس الوقت كمعنى وموضوعا, كما هو الشأن لدى
الفنانين: احمد محمد شبرين من السودان وحامد عبد الله من مصر وسعيد نصري من سوريا…
وآنا لست ضد البحث في جماليات الحرف العربي, بل العكس لأنني أرى ان له
إمكانيات تشكيلية هائلة وغنى فنيا فريدا, ولا أرى عيبا في ان يحاور الفنان العربي
هذا الحرف في مرحلة من مراحله الفنية, لأن من شأن ذلك أغناء خبرته الفنية وتوسيع
آفاقه وتجاربه. لكن لي مآخذ على الذين لم يستطيعوا تخطي هذه العتبة, فأصبحوا
يعيشون على اجترار الماضي فتأتي إعمالهم بادية التكلف وافتعال الجمال بها
مفضوح…فمنهم من ينادي بمدرسة عربية أساسها الحرف العربي, وهي دعوة فجة وإلا فما
قولنا عن الفنان التركي الذي يستعمل الحرف العربي في لوحاته وكذلك الإيراني بل
وحتى الهندي {مقبول حسين} على سبيل المثال لا الحصر؟! بينما يحاول بعض الفنانين
العرب تعريب فنهم عن طريق استعمال الحرف كذلك, فأتت أعمالهم ممسوخة مثل ذلك
المستشرق الذي ارتدى لباسا عربيا كي يصبح عربيا !
ومن هنا بات الحديث عن أزمة في الفن التشكيلي العربي على غرار ما يعانيه نظيره
في الغرب. ذلك الفن الذي استنفذ كل طاقاته وبات يبحث عن البديل. لكن أين تتجلى
أزمة الفن عندنا نحن ؟ فتاريخنا الفني بالمعنى المعاصر قريب جدا وحديث بالنسبة
للفن الغربي, ولم نستغل إلا قليلا من ارثنا الحضاري الضخم. إذ لازلنا لم نسبر
أغواره بعد, كما ان نظرتنا إليه هي نظرة بعين الغرب, نظرة سطحية ـ وكثيرا ما ذكر
بهذا بعض الفنانين المغاربة الذين أدركوا الخطأ ودعوا الى نظرة جديدة للتراث.
وليس من قبيل الصدفة ان نجد جل المتحدثين عن هذه الأزمة المزعومة هم من
المدمنين على توظيف الحرف العربي في أعمالهم الفنية. فإذا كانت هناك أزمة بالفعل
فإنني أراها في صعوبة تخلص الفنان العربي منعقدة الأصالة والمعاصرة, والحرف العربي
هو احد أبعاد المشكلة إذ يحسب البعض ان وجوده في أعمالهم دليل أصالتهم !
فهل نتمكن من اجتياز هذه المرحلة ونبعد عنا خوف الإستلاب والضياع ان نحن
تجاوزنا مرحلة الحرف الذي اصبح علامة الأزمة التشكيلية لدى الفنان العربي ؟
·
·
* سبق لي نشر هذا المقال بجريدة {العلم} بتاريخ: 20 دجنبر1987




0 التعليقات:
إرسال تعليق