كتبهامحمد الزبيري ، في 15 أبريل
2006
نزهة في الحديقة للفنان
رونوار
(الصورة
يجب أن تكون شيئا سارا ومبهجا وجميلا)رونوار
لاأظنني بحاجة إلى الحديث عن تاريخ ومفهوم
التأثيرية أوالانطباعية. ما سأحاول فعله هوالحديث باختصار عن بعض رواد هذه المدرسة
لتقريب الإخوة من فلسفة أصحابها.
لقدكانت التأثيرية بحق ثورة شاملة طبعت
النصف الثاني من القرن التاسع عشر وغزتمنتدياته الأدبية والفنية, فارضة قيمها
الفنية الجديدة على المجتمع البرجوازيالمتعصب القديم. ومن المتميزين في هذا المناخ
الجديد المفعم بالعطاء الفنان أوجستر ونوار. لقد سحرني هذا العبقري دائمابألوانه
الوضاءة ولمساته الشفافة التيتخلب الألباب, وأشكاله الغضة السابحة في النور, لدرجة
أنني ـ وأنا في بدايتي الفنيةـ توقفت عن الرسم لمدة طويلة, لأن أعمال رونوار أشبعت
نهمي الفني, وروت عطشي للون. فكنت عندما تنتابي رغبة الرسم الجامحة أتطلع إلى أعمال رونوار فأشعر بالاكتفاء ! فهو عندما يرسم الأشخاص يجعل البهجة تشع من أجسادهم الهلامية التي يخيل إليك
أنهاتصنع النور ولا تعكسه.. وعندما يرسم الطبيعة يجعلها نابضة بالحياة السعيدة
ويضفيعليها رونقا ونضارة وإشراقا غير مسبوق. ولم يجانب الصواب من قال عنه(إنهأروع
من تغنى بجمال المرأة وبراءة الطفولة وفجر ينابيع البهجة في الحياة.) أنظركتاب:
روائع الفن العالمي تّأليف: جمال قطب ص:88.
ولد هذا النجم سنة1841 وعاش 78سنة كانت
حافلة بالعطاء, إذ أنجر خلالها ما يزيد على 5000 لوحة تفتخر بها كبرياتالمتاحف
العالمية.
ومن المحطات الهامة في حياته والتي كان
لها بالغ الأثر علىفنه زيارته للجزائر وإيطاليا بين سنتي 1881 و 1882. حيث أبهر
بسحر ألوان وأضواءالشرق.
وكان رونوار من الذين استهوتهم فكرة ترك
المرسم, فخرجوا إلى الهواء الطلقيغسلون عيونهم بالأضواء الصافية والألوان الطبيعية
النقية, فأصبحوا ينقلون مباشرةعن الطبيعة, ملاحظين تغير الأضواء والظلال, مستعملين
الألوان الأصلية مستغنين عنالأسود الذي لا وجود له حسب حقيقة ألوان الطيف. ففي
وجود الضوء والظل واللون الصافيكل شيء يمكن أن يكون موضوعا للرسم حسب فلسفة
الانطباعيين. وما ميز رونوار عن هؤلاءهو اهتمامه بالمرأة والطفولة التي وفق في نقل
تألقها وبهجتها.
لقد كان رونواردرة عقد الفنانين والأدباء
في مقهى (أثينا الجديدة) في حي البيجال الباريسي حيث كانيتحلق حوله المعجبون, وكذا
في حي مونيمارتر الشهير الذي أحبه كثيرا وتفاعل مع أشخاصهونقل نبضاته على لوحات
خالدة. لم يكن رونوار من طبقة برجوازية مثل زميله مانيه, بلكان من الطبقة الكادحة,
ابن خياط. الشيء الذي جعله يشتغل في طفولته بأحد مصانعالقيشاني يرسم على الأواني
الخزفية.. ووقت فراغه كان يذهب إلى اللوفر للإطلاع علىالروائع العالمية, وبعد أن
جمع قدرا من المال لتسديد مصارفالتسجيل, التحق بمدرسةالفنون التي التقى فيها
بزملائه: كلود موني وسيسلي, وبازيل وغيرهم من الذين سيشتركونفيما بعد في تأسيس
التأثيرية التي أقامت أول معرض لها سنة1884.
لقد أجبرت الحربرونوار على الانخراط في
الجندية, وما أن انتهت حتى عاد إلى باريس لينضم إلى رفاقهللرسم في الهواء الطلق.
غير أنه لم يلبث أن شق لنفسه نهجا كان يبتعد شيئا فشيئا عنزمرة التأثير يين ويحن
إلى خطية آنجرس زعيم الكلاسيكية الجديدة, دون التفريط في بهجةاللون ولمعان الضوء..
لكن داء الروماتيزم ادي به أخيرا إلى عيش
العشرين سنةالأخيرة من حياته مشلولا. ومما يحكى عن ابن النور هذا أنه في أواخر
حياته كان ـ وهوعلى فراش المرض المميت ـ يربط الفرشة بأصابعه المرتعشة ويأخذ في
السم حتى يفقدوعيه.! والغريب في الأمر أنه رغم المآسي التي حلت به في آخر أيامه
كمرضه ووفاةزوجته, إلا أنه ضل وفيا لأسلوبه المحتفل بالحياة وبهجتها...
باختصار يمكننا أننقول عن هذا الانطباعي:
إنه فنان التوازنات الصعبة. إذ حقق التوازن بين ميلالانطباعيين إلى الطبيعة وحضور
الجسم البشري في لوحاته. وكذلك حقق التوازن بين الخطالصارم المستمد من الكلاسيكية
الجديدة وبين لطخات الانطباعيين القوية, فأحدثانسجاما بينهما, وبذلك تميز في زمن
التشابه.
بقلم: محمد الزبيري






0 التعليقات:
إرسال تعليق