الخميس، 7 مارس 2013

الأصالة والمعاصرة في الفن

الأصالة والمعاصرة في الفن

كتبهامحمد الزبيري ، في 30 مارس 2006 


الأصالة والمعاصرة في الفن



احدى لوحاتي التي تستلهم المو روت التراثي خصوصا الخط والزخرفة , وهي تعود لسنة 1989



الأصالة في الفن التشكيلي موضوع شائك ومتشعب نظرا للنقاشات المتشعبة التي يثيرها, فكثيرا ما نسمع قائلا يقول: هذا فنان أصيل, هذا عمل فني أصيل, أو غير أصيل.. وعندما نسأل عن معنى هذه الكلمة في الميدان الفني نجد كلا يعطيها شرحا ويحدد لها مفهوما يختلف عن الآخر.
والحديث في هذا الموضوع ليس جديدا على المهتم بالفن التشكيلي العربي, لأن الفن في هذا الوطن ـ ولسوء حظه ـ ولدت معه مشكلة الأصالة,
وذلك نظرا للظروف التاريخية الصعبة التي كان يجتازها العالم العربي آنذاك, بما فيها من غزو استعماري ومسخ ثقافي زفني,
 فكان على هذا المولود الجديد الذي هو الفن العربي( بالمعنى المعاصر) أن يبحث لنفسه عن شاطئ النجاة, راكبا شراع الأصالة.
 فظهر تيار الأصالة هذا أمام الهجمة الشرسة لثقافة الغرب وفنه، وكان هناك شبه إجماع حول مبدأ الأصالة كمنطلق يجب التشبث به
حفاظا على الهوية العربية في الفن، لكن الاختلاف وقع حول تحديد مفهوم الأصالة.
وهكذا نجد مجموعة من الفنانين الذين كان تكوينهم في معاهيد الغرب، أو على يد فنانين أجانب ذووا أساليب واقعية أو انطباعية،
يرون أن الأصالة في الفن تكمن في تناول مواضيع شعبية (محلية) ذات طابع فلكلوري استعراضي؛ ناهجين بذلك السبيل الذي كان قد دشنه
بعض الفنانين المستشرقين الذين زاروا البلاد العربية أمثال دولا كروا وغيره. زاعمين بذلك أنهم يقدمون فنا أصيلا؛ إلا أن هؤلاء
 كانوا محتاجين إلى التخلص من رواسب الأكاديميات الغربية, وفي حاجة أكثر إلى عين جديدة لا تبصر القشور فقط ـ كما كان الشأن
 بالنسبة المستشرقين ـ بل تغوص في الأعماق وتعود بالنواة والجوهر وليس السطح والمظهر.
فليست الأصالة مجرد رموز وأشكال وقوالب جاهزة مهما استعملت في العمل الفني يكون أصيلا كما يعمل بعض المهندسين المعماريين المغاربة في هذه الأيام، إذ يصممون حجرات ويضيفون إليها أقواسا يفرضونها فرضا على الأشكال من أبواب ونوافذ؛ ويبهرجونها نشئ
 من القرميد والزخرفة المجانية.. ويقدمونها كنموذج للعمارة المغربية الأصيلة! فالأصالة لم ولن تكون مجرد تقليد لموروتنا الحضاري.
وهنا يحضرني تعريف للأصالة قدمه الأستاذ بدر الدين أبو غازي في بحثه لمؤتمر الفنون التشكيلية في الوطن العربي، حيث يقول:
(الأصالة تتطلب استيعاب الخصائص القومية، وتمثل التراث كعطاء للنفس العربية بخصائصها ومميزاتها). وليست الأصالة كذلك هي
السير على نهج التراث القومي والإستيحاء منه فضلا عن تقليده بقدر ما هي دراسة له، واستيعاب مكنوناته، وفك رموزه، وهضم محتوياته،
مع الأخذ بعين الاعتبار عامل الزمن الذي نعيشه؛ هذا الأخير غالى في تقديره الفريق الثاني من الفنانين العرب الذين يرون أن المعاصرة
والأخذ والعطاء والانفتاح شرط أساسي يجب توفره في العمل الفني كي يكون أصيلا. إلا أن مبالغتهم في تقدير هذا الجانب أدى إلى
 شبه انفصال بين الفنان وروح تراثه؛ لأن الانفتاح المغالى فيه بدل أن يؤدي إلى الاستفادة من تجارب الآخرين مع الحفاظ على
الذات العربية، فتح الباب واسعا أمام الغريب والدخيل.
فإذا كان الجيل الأول من الفنانين في سبيل الأصالة سلك سبيلا استشراقيا ـ كما رأينا ـ فان الفريق الثاني سار على منوال بعض الفنانين الغربيين
الذين استوحوا من التراث العربي، وبالخصوص من الخط والزخرفة كما فعل هنري ماتيس بعدما بدأت موازين الفن تقلب في الغرب مع بداية
القرن العشرين؛ إذ ظهرت حركات فنية مناهضة لواقعية القرن التاسع عشر وما قبلها. باحثة عن مناهل جديدة؛ فانساق بعض الفنانين العرب
وراءها، سواء عن وعي أو دون وعي منهم، متنكرين لهويتهم الوطنية، وأصبح عامل المعاصرة وبالا على الفن العربي. وفي هذا الشأن
 يقول د. عفيف بهنسي: (الأصالة هي تحقيق عمل فني ينتمي إلى شخصية تراثية متميزة بأسسها الجمالية، وهذا التحقيق يمر بثلاث مراحل:
رفض الغريب أولا، والكشف عن معالم الشخصية الذاتية ثانيا، ثم مرحلة تمثل هذه الشخصية في الأعمال الفنية)
صحيح أن عنصر المعاصرة شرط أساسي في قيام فن أصيل ودونه أعمالنا فاقدة لأصالتها لأنها تحتاج إلى عنصر بواسطته تتحاشى التكرار
واجترار الماضي، لكن عندما يغفل الفنان الحد الثاني للأصالة الذي هو هضم مكونات التراث القومي في مختلف مراحله، وإعادة إنتاجه في
إطار جمالية عربية واعية بمتطلبات عصرها، قابلة للحوار مع مستجداته، محفظة على تفردها وتميزها دون الذوبان في يم النزعات الجديدة..
إن أغفل الفنان هذا الجانب فقد العمل الفني أصالته أيضا، لأنه في هذه الحالة كمحارب بدون عدة!
من خلال ما تقدم نلاحظ أن مفهوم الأصالة يختلف حسب المراحل التاريخية، فبعد ما كان ـ أثناء فترة المد الاستعماري ـ يعني التشبث بالإرث الحضاري للأمة كرد فعل على محاولات التغريب، دون إعطاء كثير من الأهمية لعنصر المعاصرة، وكان هذا ايجابيا، نراه فيما بعد الاستقلال يولي أهمية كبرى لعامل المعاصرة..
مهما يكن من أمر فان موضوع الأصالة في الفن بتشعباته واختلافاته، خفت وطأته في الوقت الحالي، ولم يعد يكتسي تلك الأهمية التي كان يوليها إليه فنانو الجيل الأول والثاني. ويبقى الأهم هو مدى قدرة الفنان العربي على أن يحيا زمانه ويحافظ على روح حضارته.

بقلم: محمد الزبيري
نشر بجريدة الميثاق الوطني بتاريخ: 1988

0 التعليقات:

إرسال تعليق