السبت، 9 مارس 2013

الجمهور المغربي بين التشخيص والتجريد


التشخيص والتجريد

كتبهامحمد الزبيري ، في 24 يوليو 2006 


صورة لإحدى لوحاتي التشخيصية


 صورة لإحدى لوحاتي التجريدية

إذا استثنينا زمرة من المثقفين الذين لهم اهتمام بالفنون التشكيلية, نجد أن باقي زوار المعارض يدخلون إلى قاعات العرض ولديهم
اقتناع أن ما يرونه لا يمكنهم إدراكه والتعامل معه إلا إذا أعطاهم صاحبه ـ الفنان ـ المفتاح السحري لفك الرموز والطلاسم,
وكأن هذا الفنان آت من عالم آخر!

فتراهم لا يفسحون المجال لدواتهم لقراءة العمل الفني والإحساس به, ولا يقومون بأية محاولة من هذا القبيل إلا بعدما يسألون الفنان عدة أسئلة:
ماذا يعني هذا؟ وما مضمونه؟ وماذا يقول..؟ وفي اعتقادهم أن كل عمل فني لابد له من موضوع ومعنى سري يدرك بالفهم والرؤيا.
 سواء كلن هذا العمل الفني تجريديا أو تشخيصيا.. وكثيرا ما يدفعني فضولي لمعرفة انطباعات هؤلاء ومواقفهم مما يرون ـ خاصة في المعارض الجماعية ـ
فأجد أغلبهم يقفون أمام لوحة تشخيصية منفذة بأسلوب كلاسيكي, سواء كانت تمثل منظرا طبيعيا, أو بشريا, أو طبيعة صامتة, فتسمع أحدهم يهمس في أدن
الآخر:( هذا فنان في المستوى.. عظيم!! فنان مقتدر..) إلى غير ذلك من كلمات الثناء والتقدير. ومعيار عبقرية الفنان واقتداره لديهم هو مدى تعامله مع
المواضيع المطروقة بأسلوب كلاسيكي. أما عندما يجدون أنفسهم أمام لوحة تنتمي إلى مذاهب حديثة, تراهم يتبادلون نظرات السخرية, وليس ببعيد أن تسمع
قائلهم يقول: (ما هذا العبث؟ هذا باستطاعة أي واحد أن يفعله!)
وكثيرا ما أطرح هذا السؤال: لماذا هذا الميل إلى التشخيص؟ إن الفن العربي والإسلامي كان يغلب عليه دائما طابع التجريد, ولم يتعامل مع التشخيص إلا في
حالات معدودة وفي مناطق محدودة اعتبرت متجاوزة لصراحة النص, بل وحتى هذاالتشخيص كان( مؤ سلبا ), الفنون الشعبية هي الأخرى في مختلف
مناطق المغرب تتميز بسمة التجريد.. إذن لم تكن العين المغربية متعودة على هذا النوع من الفن, فمن أين أتت عدوى التشخيص هذه؟!
لم يبق إلا مصدر واحد وهو الغرب الذي كان يعمل على نشر مفاهيمه ومذاهبهالتشخيصية ونقلها إلى مناطق نفوذه وطمس معالم الفنون المحلية العريقة.
وكانت هذه واحدة من النقط التي نجح في تمريرها إلى ذاكرة الإنسان المغربي والعربي على العموم. واليوم وبعدما قلبت موازين الفن في الغرب,
 وأحرقت عدة مراحل, ويعيش الإنسان المتحضر حمى التجريد… لا تزال هذه البذرة التي أنبتها الغرب في أرضنا ـ والتي هي التشخيص ـ مزدهرة
ومتمكنة من عيون الكثير من أبناء هذا الوطن, تطبع نظرتهم الجمالية, وتسكن ذوقهم.
ولا يفهم من ملاحظتي هذه أنني ضد التشخيص, بل هو في نظري جسر يؤدي إلى التجريد ولابد لكل فنان أن يمر به.
إن أول ما يحتاج إليه التشكيل العربي المعاصر ليس هو تأسيس مدرسة عربية يشكل الحرف العربي احد لبناتها ـ كما يذهب إلى ذلك البعض ـ
بل نشر وعي فني وتكوين ثقافة فنية لدى الجمهور, مبنية على أسس الجمالية العربية, وباختصار تعميم التربية الفنية المنبثقة من أصالتنا وتراثنا,
 تلك العناصر التي تلعب دورا رياديا في اغناء الخبرة الجمالية لدى الشخص والسمو بذوقه الفني.
وهنا لا أترك الفرصة تفوتني دون التذكير بتجربة مدينة أصيلة, إذ أعتبرها تجربة رائدة, أثبتت أنها ظاهرة حية, أعطت الكثير وتعد بعطاءات أكثر.
 إذ ساهمت في خلق حوار مفتوح بين ا لفنان ورجل الشارع العادي الذي بات معايشا ـ بل مشاركا ـ في إنجاز أعمال فنية تلعب دورها في تنمية واغناء
الخبرة الجمالية لديه. وهذا لا يعني أن تجربة أصيلة هي الحل الوحيد, بل هناك عدة مبادرات هنا وهناك, إلا أنها تفتقد إلى(الاستمرارية) والنفس الطويل
حتى توتي أكلها

بقلم: محمد الزبيري
نشر بجريدة الميثاق الوطني بتاريخ:30/1/1988

0 التعليقات:

إرسال تعليق