السبت، 9 مارس 2013

التجريد.. بين الاتهام والحقيقة





كتبهامحمد الزبيري ، في 10 أبريل 2006






احدى لوحاتي القديمة التي تستلهم الحرف العربي






في حديثهم عن فن التصوير الإسلامي, المستشرقون الغربيون يقيمون مقارنة غير متكافئة, وفي غير محلها
بين فنهم الذي يرتكز على المنظور الحسي والفن الإسلامي الذي يقوم على أساس المنظور الروحي. ليصلوا في النهاية إلى
نتيجة مفادها أن الفن الإسلامي قاصر وبدائي, ناتج عن جهل الفنان المسلم لقواعد المنظور والضوء والظل..
متجاهلين أن الجمالية الإسلامية الروحية تختلف عن الجمالية الغربية الحسية.

إلا أن الأدهى والأمر من هذا أن تجد بعض أبناء هذه الأمة الذين بهرهم الغرب وثقافته وفنه, وباتوا يجهلون الكثير عن تراثهم الإسلامي, يرددون هذه الأحكام الظالمة, ناقلين إياها عن أئمتهم في الغرب. والغريب هو جهل أو تجاهل هؤلاء لموقف الإسلام من التصوير ألتشبيهي.
ذلك الموقف الذي كان سببا في تجنب الفنان المسلم للتمثيل الواقعي للأشياء, مستغنيا عن المنظور بالمفهوم الغربي, مستعملا الألوان بطريقة غير واقعية, غير ملتزم يقوا عيد التشريح والتقاسيم والنسب المعمول بها في الفن الإغريقي والروماني. ولا مجال هنا لذكر الأحاديث والروايات التي تحرم أو تنهى عن هذا النوع من التصوير الذي ابتعد عنه الفنان المسلم, ناهجا أسلوبا جديدا يتوافق وأهداف هذا الدين الداعي
إلى الوحدة.
ففن التصوير انتشر بكثرة في الشرق الإسلامي, بينما شهد تقلصا ملحوظا ـ إذا الم اقل غيابا ـ في الغرب الإسلامي. ذلك أن عدد المخطوطات المصورة المعروفة به لا تتعدى ثلاثة, أهمها تلك التي توجد هي الأخرى أسيرة بمكتبة الفاتكان, وهي مخطوطة:( رياض وبياض).
وقلة المخطوطات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي راجعة إلى تشدد المغاربة المالكيين في تحريم التصوير, امتثالا للحديث الشريف الناهي عنه. فماذا يقول المستشرقون الغربيون الذين يحاولون قطع أية صلة بين الإسلام والفن الإسلامي؟
لنستمع إلى أحدهم وهو المستشرق المشهور:(فان برشم) حيث يقول:{إذا كانت شعوب شمال أفريقيا أكثر محافظة على تحريم الصور, فليس لأنها أعمق إسلاما, بل لكونها اقل موهبة في الفنون وأقرب إلى الأفكار البدائية.}
هكذا ينهجون جميع السبل ويلفقون الأكاذيب المفضوحة لنسف كل علاقة بين الدين والفن! فهل يعقل أن ننعت أصحاب هذه الحضارة التي أنجبت عباقرة ومبدعين في كل الميادين وخلفت مآثر آية في الروعة والجمال سواء في المغرب أو في العدوة الأندلوسية ذلك الفردوس المفقود, الذي لا زال يجلب آلاف المعجبين من أنحاء العالم يقفون منبهرين بروعة الفن الإسلامي وعبقرية الفنان المسلم ـ هل يعقل
أن ننعت هؤلاء بأنهم أقل موهبة وأقرب إلى الأفكار البدائية؟!
أما عندما يتحدث أولئك المستشرقون عن عناصر ومكونات الفن الإسلامي فإنهم يردونها إلى أصول بيزنطية رومانية وغيرها!!
صحيح أن البلاد التي دخلها الإسلام كانت بها فنون تصوير محلية بقيت معالمها ظاهرة في تلك الرسوم والصور التي زينت بها قصور ودور الخلفاء والأمراء الأمويين, لأنها نفذت من قبل فنانين منهم من هو حديث العهد بالإسلام, ومنهم من بقي على دينه.
إلا أن أسلوبا إسلاميا خالصا بدأت تتضح معالمه في بداية العصر العباسي, وسرعان ما تبلورت جماليته المستمدة من الدين,
والمتسمة بطابع تجريدي. فظهر الرقش الهندسي والنباتي, ذلك الفن التعبدي الذي يرمز إلى قدرة الخالق واحاطته بما كان وبما سيكون..
كذلك وجد الفنان المسلم في الخط العربي عالما رحبا..و لكي يعبر عن وحدة الكون والدين والأمة والخالق, لابد من التجريد الذي هو أساس
فلسفة الفنان المسلم, ومرتكز نظرته العامة الشمولية للكون. تلك الفلسفة الروحية التي تهافت عليها الفنانون الغربيون أمثال: بول كلي,
وهنري ما تيس, وكوندينسكي وغيرهم.. فماذا يقول الغرب في فننا التجريدي هذا؟
إنهم يفسرونه بأنه دافع لملء الفراغ ناتج عن خوف من الفراغ لدى الشعوب البدائية! لنتصور إذن أن كل هذا الفن العظيم من خط ورقش
هندسي ونباتي وكل تلك الزخارف الرائعة التي نفذت فوق جدران العمائر والمنابر والمشكواة والمصاحف والمخطوطات… كل ذلك
ملء للفراغ الذي يفزع منه الفنان المسلم؟!
وازدهار الفن الإسلامي التجريدي واكبه كذلك ازدهار مماثل في التصوير ألتشبيهي المحورفي المخطوطات التي عرفت رواجا منقطع النظير بعدما استطاع الفنان المسلم فرض أسلوب خاص مخالف لكل الأساليب التشبيهية المعهودة المرتكزة على المحاكاة والقياس,
بينما قدم لنا فناننا أشخاصه بطريقة ( مؤسلبة), بعيدة عن الواقع. وقد قال بشر فارس في كتابه:(سر الزخرفة الإسلامية) ما يلي في هذا
الموضوع:{إن خروج التصوير الإسلامي عن أصول الهيئة البشرية إنما تستدعيه نية مستقرة في الطبع, مبعثها الاستهانة بعظمة الإنسان
المطلق الذي ركزه في قلب العالم فلاسفة اليونان..}
وختاما أقول انه من جملة أخطائنا أننا ننتظر دائما من الغرب تقييمه لفنوننا وحكمه عليها لنأخذ بهذا الحكم الذي غالبا ما يكون جائرا
ليصل بنا في النهاية إلى إهمال فننا الأصيل والإقبال على فنه الدخيل.

بقلم: محمد الزبيري

0 التعليقات:

إرسال تعليق