السبت، 9 مارس 2013


حلم الوحدة العربية..آمال وتناقضات

كتبهامحمد الزبيري ، في 1 مايو 2006

  2مقال نشر لي يوم امس السبت 29 ـ 4 ـ 2006
بجريدة العرب الأسبوعي اللندنية
تحت عنوان: آمال وتناقضات
الوحدة العربية كما تبدو بقلم فنان وريشته

مصحوبا بهذه الصورة لإحدى لوحاتي من وحي الموضوع


لقد سال مداد كثير, وبحت الحناجر, في سبيل الدعوة إلى لم شمل العرب, وصولا إلى الوحدة العربية التي ضلت أبدا حلما عزيزا وأملا غاليا لكل العرب, من المحيط إلى الخليج, مها اختلفت المذاهب السياسية والمشارب الثقافية.
فلماذا اتحد غيرنا رغم شساعة البون بين لغاتهم وثقافتهم وقومياتهم, بينما أصبحت الهوة التي تفصل بيننا وبين حلم الوحدة تزداد اتساعا يوما بعد يوم؛ رغم أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا!؟
كثرت المشاجب التي علقنا عليها إخفاقاتنا عندما استحال علينا الوصول إلى هدفنا الأسمى الذي هو الوحدة العربية المنشودة, و أولها لاستعمار. العسكري والسياسي الذي جثم على صدورنا منذ أواخر القرن التاسع عشر..وكان بالفعل عائقا واقعيا, كنا نظن أننا بزواله نبدأ في بناء لبنات البيت العربي الواحد؛ وكان هدفا يستحق تلك التضحيات الجسام التي قدمتها الأمة؛ رامية بفلذات أكبادها في أتون المعركة الغير متكافئة مع هذا المستعمر لتحقيق هدف الحرية القطرية على درب الوحدة العربية الشاملة..
وكم كانت خيبة الأمل كبيرة عندما اكتشف المتلهفون على الوحدة أن الأمر لم يكن يستحق هذا العناء!لأن الاستعمار ـ كما قال احدهم ـ قد خرج من الباب ليدخل من النافدة! فأصبحنا نسلم أن الهدف ليس من السهل الوصول إليه في ظل الأوضاع العربية الموصوفة بتفشي التخلف والأمية والتناقض الصارخ بين طبقات الأغنياء والفقراء.. أوضاع متردية تنضاف إليها الظرفية العالمية (فترة الحرب الباردة), حيث تشيع العالم إلى موال للكتلة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي المنهار, والكتلة الرأسمالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. ولم ينجح العالم العربي في الإفلات من قبضة احد العملاقين, إما الدوران في فلك الشرق أو الموالاة للغرب؛ رغم محاولة بعض الأنظمة العربية اللعب على المتناقضات في إطار منظومة دول عدم الانحياز.. وأصبح الوطن العربي آنذاك في أحسن حالاته عبارة عن حمى أو باحة خلفية لأحد البيتين الكبيرين الشيوعي أو الرأسمالي!
لكن بشاعة نظام القطبين بدل أن تذكي روح الوحدة بين أفراد الأمة العربية للمرور من عنق الزجاجة وتجاوز تلك المرحلة التاريخية الدقيقة, أشعلت فتيل الأحقاد الشخصية بين زعمائنا وأيقظت فتنا طائفية ونزعات انفصالية مبنية على أوهام قبلية ولغوية أو حتى جغرافية وقومية مزيفة. وكان ذلك تارة بإيعاز من الخصمين الشرقي والغربي اللذان ارتأيا أن مصلحتهما معا تقتضي العزف على أوتار العداوة العربية البينية لإبقاء هذه الأمة التي تملك كل مقومات الوحدة, مشتتة تخدم مصالحهما.وتارة أخرى كان بدافع جشع الدب الروسي أو الكوباوي الأمريكي؛ فكانا عندما يتنازعان على النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي وحتى العقائدي أحيانا, تكون الساحة المفضلة لتصفية الحسابات هي الساحة العربية.والنتيجة طبعا هي الإجهاز على حلم الأمة في التوحد؛ وذلك بصب زيت الفرقة والعداوة على نار الخصومات العربية التي أفرزت تداعيات لا يزال بعضها مشتعلا لحد الآن ليس اقلها مشاكل الحدود الثنائية ومشكلة الصحراء المغربية…
وفي ضوء هذا التنائي والتدابر بين العرب, بدأنا نسمع أصوات في المشرق والمغرب تدعو ولو بنبرات خافتة وكلمات خجولة, ولو بأسلوب غير مباشرـ تدعو إلى تأجيل أو صرف النظر على هذا الأمل الذي طالما كان مقدسا, ألا وهو أمل الوحدة؛ والانكباب بدل ذلك على بناء الدولة القطرية القوية. وتلك دعوة كانت تخفي وراءها خيبة أمل تاريخية, وإحباطا متراكما؛ فوجدت تلك الدعوة فئتين مناصرتين لها من داخل الوطن العربي فضلا عن الغرب. وذلك واحد من الأمثلة الساخرة التي يضربها لنا التاريخ, حيث تتحد مصالح الغريمين وتقتضي مناصرة دعوة واحدة!
الفئة الأولى تتمثل في بعض الأوساط الرسمية العربية التي رأت في شعار الدولة القطرية أولا, على الأقل ذريعة يخفي وراءها النظام العربي الفشل الذريع الذي مني به.. هذا النظام الذي طالما منى الشعوب بنيل هدف الوحدة وجثم على صدورهم بدعوى العمل على تحقيق الهدف الأسمى للأمة الذي هو الوحدة. طالبا من الشعوب باستمرار مزيدا من التضحيات والصبر على النكبات..
أما الفئة الثانية فتتمثل في ذلك التيار العربي المثقف المتنور المساند لدعوة الدولة القطرية أولا ليس اقتناعا بجدوى المشروع, ولكن سعيا لسحب البساط من تحت أقدام النخبة الحاكمة, وذلك بالإجهاز على المقولة التي هي بمثابة ورقة التوت التي تخفي عجزها وخنوعها ألا وهي ذريعة العمل على تحقيق الوحدة العربية؛ تلك المقولة التي كبلت بها الأفواه وأسكتت بقدسيتها عشرات الأصوات المنددة بالأنظمة العاجزة..
وجاء يوم وجدنا أنفسنا فيه أنأى وابعد من ذي قبل عن شاطئ الوحدة العربية. فقد انتصر الاثنان: الغرب ممثلا في الكوبوي الأمريكي الذي استطاع بدقة تصويبه وخفة حركاته أن يجهز على الدب السوفيتي ويتفرغ بعد ذلك لممارسة هوايته المفضلة التي هي البلقنة.! كما انتصر النظام الرسمي العربي على التيار المتنور المعارض, واستطاع تدجينه أو تهجينه أو اجتثا ته أحيانا, وأحيانا أخرى جره إلى تجارب شبه ديمقراطية فاشلة, أفقدته الهالة التي طالما أحاط نفسه بها, فسقطت ثقة قواعده فيه, وسقطت أسهمه فسقط معها كما هو الشأن في المغرب مثلا!
وبعدما كان الحديث عن الوحدة والدعوة إليها مصدر فخر لصاحبه, بات اليوم يثير السخرية والاستهجان والاستهزاء لدى الكثير من خاصة الناس وعامتهم بسبب الإحباطات المتتالية, وبعد سفينة العرب يوما بعد يوم عن شاطئ الوحدة أكثر من ذي قبل ! وهنا يحق لنا أن نطرح هذا السؤال المباشر: لماذا يهرول الغرب القوي نحو الوحدة, بينما نتدابر نحن؟
حتى لو نحينا جانبا المشاجب التي نعلق عليها دائما فشلنا, والمعوقات الخارجية التي ذكرناها سابقا, وبحثنا عن إرادة حقيقية في التوحد لدى العرب؛ فهل لدينا هاجس الوحدة؟ شخصيا اشك في ذلك صراحة. لأن الهوة قد زادت اتساعا بيننا, وأصبح العامل الاقتصادي هو الهاجس الحقيقي لدى الإنسان العربي؛ دون وجود إرادة لتقديم تضحيات جديدة؛ أو استعداد لتقديم تنازلات عن صنفين من الامتيازات. الأولى امتيازات اقتصادية راجعة لأسباب جغرافية جيولوجية.حيث حبت الطبيعة شطرا دون آخر من الوطن العرب بخيرات وثروات, تقتضي متطلبات الوحدة مشاركة الأخ العربي لأخيه في الاستفادة من مردو دية تلك الثروة.
أما الامتيازات الثانية فهي امتيازات تاريخية متمثلة في حقوق عشائيرة أحيانا قبلية ودينية, منحت فئة معينة حقوقا سلطوية نتيجة تراكمات تاريخية…إن هذه هي العوامل الحقيقية ـ في نظري المتواضع ـ التي تحول دون وجود إرادة حقيقية لدى الإنسان العربي للسعي وراء هدف الوحدة.
الدكتور المرحوم احمد زكي في مقال منشور بمجلة العربي سنة 1966واعيد نشره في الكتاب الأول المنشور من طرف نفس المجلة في يناير سنة 1984 بعنوان( الحرية) يقول:(إن الوحدة, واعني بها الوحدة الكاملة الشاملة الدستورية التي تشيع في افهام الناس, سوف يكون لها مطالب, ويكون لها مظاهر, تمس أعصاب الإقليمية فتوجعها وجعا شديدا. إن الوحدة تتطلب نزول البلد الواحد عن بعض وجوه السيادة فيه, فكيف يرجى من تلك الإقليميات التي نعرفها اليوم في البلاد العربي ترضى بهذا, أو تغضب غضبا سهلا وتذل لهذا, هذا إذا كانت حرة في اختيارها. فكيف إذا لم تكن!؟)(1) انه كلام حي كان مداده لم يجف و وكأنه يقال لتوه!
فلنضع أوربا أمامنا ولنطرح هذا السؤال: أوربا الغربية الغنية والمتقدمة, لماذا قبلت الاتحاد مع دول أوربا الشرقية الفقيرة والخارجة لتوها من تحت عباءة الاتحاد السوفيتي المنهار, وهي تجر وراءها حمل التخلف!؟
وكلنا يعرف مدى التباعد والتنافر الموجود بين شعوب الشرق والغرب ألأوربي, واختلاف أعراقهم وأجناسهم ولغاتهم ودياناتهم. اهو بعد النظر لدى الأوربيين يقابله قصر النظر لدينا أهي روح التضحية من اجل مستقبل الأمة؟ وهل نحن اقل منهم تضحية ماضيا وحاضرا من أجل الغد؟ أم هي الإحباطات والتجارب الفاشلة التي مررنا بها ثبطت هممنا وجعلتنا أكثر أنانية…؟ تتناسل الأسئلة التي تلح في طلب الأجوبة.. شخصيا لا املك أكثر من السؤال! لكن دعوني اطرح سؤالا أخيرا قد يحمل في طياته جملة من الأجوبة على الأسئلة السابقة. بعدما وصلت أزمة الشرق الأوسط إلى الطريق المسدود, وشهدت تراجعات على كافة المستويات, وبعدما وصل الوضع في العراق إلى ما هو عليه الآن؛ هل هناك من مبررات وتطمينات أو آمال للمتمسكين بوهم الدولة القطرية والامتيازات الاقتصادية والاجتماعية!؟
ولا أجد ما اختم به خيرا من هذا القول البليغ الذي قيل قبل 60 سنة, و شخص الحالة العربية بجملة دقيقة, بما تنطوي عليه من سخرية لاذعة ومؤلمة للمرحوم الدكتور احمد زكي:(والى أن تتحقق أسباب الوحدة بعد عام أو عشرة أعوام أو عشراتها, سوف تمتلئ أيدي العرب في أي بلد كانوا بالشيء الكثير الذي يحتاج إلى تحضيره وتدبيره, ويحتاج تحضيره وتدبيره إلى الزمن الكثير.){2}




هامش:
1)الكتاب الأول الصادر عن مجلة العربي في شهر يناير سنة 1984 تحت عنوان: الحرية. للدكتور احمد زكي ص 62
2)نفس المرجع, ص 67

بقلم: محمد الزبيري

0 التعليقات:

إرسال تعليق